وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو عمارٍ الحُسينُ بن حُرَيْث، حدثنا الفضل بن موسى، عن عائذ بن شُرَيْح، عن أنس قال: سألتْ عائشةُ رسول اللَّه ﷺ، فقالت: يا رسول اللَّه، كيف يُحْشَرُ الرِّجالُ؟ فقال:"حُفَاة عُراةً" ثم انتظرت سَاعَةً، ثمّ قالت: يا رسول اللَّه، كيف يُحْشَرُ النِّسَاءُ؟ قال:"كذلك حُفَاةً عُراةً". قالت: واسوأتاه من يوم القيامة، قال:"وعن أيِّ ذلك تسألين؟ إنه قد نزلت عليَّ آيةٌ لَا يضرُّكِ كَانَ عَلَيْكِ ثيابٌ أَمْ لا"، قالت: أي آيةٍ يا رسول اللَّه؟ قال:" ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧)﴾ [عبس: ٣٧] "(١).
وقال الحافظ أبو يَعْلَى الموْصِليّ: حدثنا رَوْحُ بن حاتم، حدثنا هُشَيْم، عن الكوثر، وهو ابن حكيم، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه ﷺ: "يُحْشَرُ الناسُ كما وَلَدَتْهُمْ أُمَّهاتُهُمْ حُفَاةً عُراة غُرلًا" فقالت عائشة: والنساءُ بأَبِي أنْتَ وأُمِّي؟ فقال:"نعم" فقالت: واستوأتاه! فقال رسول اللَّه ﷺ: "وَمِنْ أيِّ شيْء عَجِبْت يَا بِنْتَ أَبِي بكر"؟ فقالت: عَجِبْتُ من حديثك: يُحْشَرُ الرِّجالُ والنِّساءُ حُفَاةً عُراة غُرلًا يَنْظُر بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ، قال: فَضربَ على منكبِها، فقال: "يا بِنْتَ أبي قُحَافَةَ، شُغِلَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّظر، وسمَوا بأبصارهم إلى السماء موقوفون أربعينَ سَنَة لا يأكلون، ولا يشربون، شاخصين بأبصارهم إلى السماء أرْبعينَ سنةً، فمنهم من يبلع العرقُ قَدَمَيْه، ومنهم من يبلغ ساقيه، ومنهم من يبلغ بَطْنَه، ومنهم من يُلْجِمُه العَرَقُ من طُول الوقوف، ثم يترحم اللَّه من بعد ذلك على العباد، فيأمر الملائكة المقرَّبين، فيحملون عرشه من السماوات إلى الأرض حتى يوضع عرشه في أرض بَيْضاءَ لم يُسْفَكْ عليها دم، ولم تُعْمل فيها خطيئة، كأنها الفِضَّةُ البَيْضَاءُ، ثم تقوم الملائكة حافِّين مِنْ حَوْل العَرْش، وذلك أوَّل يوم نظَرتْ فيه عين إلى اللَّه تعالى، فيأمرُ منادِيًا فينادِىِ بِصَوْتٍ يسمعُه الثَّقَلان الجِنُّ والإنس: أيْنَ فُلَانُ ابنُ فُلانِ، أين فُلَانُ ابنُ فُلانِ، فَيشْرَئِبُّ النَّاسُ لذلك الصوت، ويخرج ذلك المنادى من الموقف، فَيُعرّفُه اللَّهُ النَّاسَ، ثمَّ يقال: تُخْرَجُ مَعَهُ حَسناته، فُيَعرِّفُ اللَّهُ أهلَ الموقف تلْكَ الحَسَنَاتِ، فإذا وقف بين يدي ربّ العالمين، قيل: أيْنَ أصحابُ المظالم؟ فيجيؤون رَجُلًا رَجُلًا، فيقال له: أظَلَمْتَ فُلانًا كذَا وكذَا، فيقول: نعم، يا رَبّ، فذلك اليومُ الذي تَشْهَدُ عليهم أَلْسِنَتُهُمْ وأَيديهم وأرجلُهم بما كانوا يعملون، فتؤخَذُ حَسَناتُه، فُتدْفَعُ إلى مَنْ ظلمه، يوم لا دِينارٌ وَلا دِرْهَمٌ، إلّا أَخْذٌ مِنَ الحَسَنَاتِ، ورَدٌّ من السَّيئات، فلا يزالُ أهل المظالم يَسْتَوْفُونَ مِن حَسَنَاتِه حَتّى لا تَبْقَى لَهُ حَسنَةٌ، ثم يقومُ مَنْ بقي، مِمَّنْ لم يأْخُذْ شَيْئًا، فيقولون: ما بَالُ غَيْرِنا استوفى، وبَقِينَا؟ فيقال لهم: لا تَعْجَلُوا، فيؤخذُ من سَيِّئاتهم فُترَدّ عليه، حتّى لا يبقى أحد ظَلَمَهُ بِمَظلِمَةٍ، فيُعَرِّفُ اللَّهُ أهلَ الموقف أجمعين ذلك، فإذا فرغ من حسابه قيل: ارجع إلى أُمِّكَ
(١) رواه ابن أبي الدنيا في "الأهوال" (١١٦)، وإسناده ضعيف.