للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثبت في "صحيح البخاريّ" من حديث الزُّهريّ، عن أبي سلَمَةَ، وعبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة: أنّ رسول اللَّه قال: "إذا كانَ يومُ القيامة فإنّ الناس يَصْعَقُونَ، فأكونُ أوَّلَ منْ يُفيقُ، فأجِدُ مُوسى باطِشًا بقائمةٍ من قوائم العَرْش، فلا أدري أَصَعِق فأفاقَ قَبْلِي، أم جُوزي بصَعْقَةِ الطُّور؟ " (١) فقوله: "أم جُوزي بصَعْقة الطور": يَدُلُّ على أن هذا الصَّعْق الذي يَحْصُل للناس يوم القيامة سَبَبُه تَجَلِّي الربّ تعالى لعباده، لفَصْل القضاء، فيَصْعَقُ الناسُ من تجلي العَظَمة، والجلال، كما صَعِقَ موسى يَوْم الطُّورِ حينَ سَأله الرُّؤْيَة ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا﴾ [الأعراف: ١٤٣] فموسى إذا صَعقَ الناسُ يوم القيامة، إمَّا أن يكون جُوزي بصعقة الطور، فلا يصعق يومئذ، وإمّا أن يكون صعق فأفاق، أي صعق صعقة خفيفة، فأفاقَ قبلَ الناس كُلّهِمْ، واللَّه أعلم.

وقد ورد في بعض الأحاديث: أنَّ المؤمنينَ يَرون اللَّهَ في عَرَصاتِ القيامة، كما ثَبتَ في "الصحيحين" -واللفظ للبُخَاريّ- من طريق قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد اللَّه، قال: خَرَج عَلَيْنا رسول اللَّه ليلة البدْر، فقال: "إنّكم سَتَرونَ رَبَّكُمْ يَوْمَ القِيَامةِ كما تَرَوْنَ هذا لا تُضامُونُ في رُؤْيتهِ".

وفي رواية للبخاريّ: "إنّكم سترون ربكم عِيانًا" (٢).

وجاء: أنّهم يسجدون له تعالى، كما قال ابن ماجه: حدّثنا جبَارة بن المغلِّس الْحِمَّانىّ، حدّثنا عبد الأعلى بن أبي المُسَاور، عن أبي بُرْدَةَ، عن أبي موسى، قال: قال رسول اللَّه : "إذا جمع اللَّه الخلائقَ يوم القيامة أُذِنَ لأمَّةِ محمَّد في السجود، فيَسْجدون له طويلًا ثم يقال: ارفعوا رُؤوسكم، فقد جَعْلنا عدَّتكم فداءكم من النار". وله شواهد من وجوه أُخر، كما سيأتي (٣).

وقال البزَّار: حدّثنا محمد بن المُثَنّى، حدّثنا يحيى بن حماد، حدّثنا أبو عَوَانَةَ، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبيّ ، قال: "حتَّى إنَّ أحدهُمْ لَيَلْتَفتُ فَيُكْشَفُ عن ساقٍ، فيَقَعونَ سُجودًا، وتَرْجعُ أصلابُ المنافقين حتى تكون عَظْمًا، كأنها صَياصي البَقَر" ثم قال: لا نعلم حَدَّث به عن الأعمش إلّا أبا عَوانةَ. قلت: وسيأتي له شاهد من وجه آخر.

وذكر في حديث الصُّور: "إنّ اللَّه يُنادي العِبَاد يوم القيامة فيقول: إنّي قد أنْصَتُّ لكم مُنْذُ خَلَقْتكُمْ إلى يومكم هذا، أرى أعمالَكم، وأسمع أقوالكم، فأنصتوا لي، فإنما هي أعمالُكم،


(١) رواه بنحوه البخاري رقم (٦٥١٧).
(٢) رواه البخاري (٧٤٣٦ و ٧٤٣٥) ومسلم رقم (٦٣٣).
(٣) رواه ابن ماجه رقم (٤٢٩١) وإسناده ضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>