للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رفع رأسه، فأنْظُر مِنْ بين يديّ، ومنْ خَلْفي، وعن يميني، وعن شمالي، فأعرف أمّتي من بين الأمم" فقال له رجل: يا رسول الله كيف تَعْرفُ أمَّتكَ من بين الأمم ما بَيْنَ نوح إلى أمَّتك؟ قال: " أعرفهم، مُحجَّلون من أثر الوُضوء، ولا يكون لأحدٍ من الأمم غيرِهم، وأعرفهم يُؤْتَون كُتُبَهمُ بأيمانهم، وأعرفهم بسيماهم، ووجُوهم، وأعرفُهم بنُورِهم يَسْعَى بين أيْديهمْ وذرِّيّتهمْ ".

وقال ابن أبي حاتم: [حدّثنا أبي]، حدّثنا عَبْدةُ بن سُلَيْمانَ، حدّثنا ابن المبارك، حدّثنا صفوان بن عمرو، حدّثني سُلَيْم بن عامر، قال: خرجنا على جنازةٍ في باب دِمَشْقَ، ومعنا أبو أُمامةَ البَاهليّ، فلمّا صُلِّيَ على الجنازة، وأخذُوا في دَفْنها، قال أبو أُمَامة: أيُّها الناس، إنّكم قد أصْبَحْتُمْ وأمْسَيتُم في منزلٍ، تَقتسمون فيه الْحَسَناتِ والسَّيئاتِ، وتُوشكونَ أن تَظعَنُوا منه إلى مَنْزِلٍ [آخر]، وهو هذا، يُشيرُ إلى القبر، بَيْت الوحدة، وبَيْت الظُلْمة، وبيْت الدُّودِ، وَبيت الضِّيق، إلا ما وسَّع الله سبحانه، ثم تَنتقِلُون منه إلى مَوَاطنِ يَوْم القيامة، فإنكم لفي بعض تلك المواطن حتى يَغْشَى الناسَ أمرٌ من أمر الله، فَتبيضُّ وُجُوه، وتَسْودّ وجوه، ثم تَنْتقلُونَ منه إلى منزل آخر، فيَغْشَى الناسَ ظُلْمةٌ شَديدةٌ، ثم يُقْسَمُ النور، فيُعْطَى المؤمن نُوراً، ويُتْركُ الكافر، والمنافق، لا يُعْطَيانِ شيئاً، وهو المثَلُ الذي ضَرَبهُ اللهُ في كتابه: ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ [النور: ٤٠] ولا يَسْتضيءُ الكافرُ، والمنافق، بنور المؤمن كما لا يَسْتَضيءُ الأعْمَى بِبَصَرِ البَصِير، ويقول المنافقون ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا﴾ [الحديدة ١٣] وهي خُدْعةُ اللهِ التي خَدَع بها المُنافقين، حيث قال: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٢] فيرجعون إلى المكان الذي قُسم فيه النُّور، فلا يجدون شيئاً، فيَنْصرفون إليهم، وقد ضرب ﴿بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ … ﴾ الآية [الحديد ة ١٣] يقول سُلَيْم بن عامر: فما يزال المنافق مُغْترّاً حتى يُقْسم النور، وَيمِيزَ اللهُ بين المؤمن والمنافق (١).

وقال ابن أبي حاتم: [حدّثنا أبي]، حدّثنا يحيى بنُ عُثْمان، حدّثنا أبو حَيْوةَ، حدّثنا أرْطَاةُ بنُ الْمُنْذر، حدّثنا يوسف بن الْحجَّاج، عن أبي أُمامة، قال: تبعث ظُلْمةٌ يوم القيامة، فما منْ مؤمن، ولا كافر، يرى كفّه حتى يَبْعَثَ اللهُ النُّورَ إلى المؤمنين، على قدر أعمالهم، فيَتْبَعُهُم المنافقون، فيقولون للمؤمنين: ﴿انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾ (٢).

وقال الحسن، وقتادة، في قوله تعالى: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ [الحديد: ١٣] قالا: هو حائط بين الجَنّة والنار، وقال ابن أسْلَم: هو الذي قال الله:


(١) وهو حديث صحيح.
(٢) وإسناده ضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>