منابرُ منْ نُورٍ، عَلَيْهَا مَقاعِدُ النَّبيِّين، وحَفَّ تِلْكَ الْمَنابِرَ بِمَنَابِرَ منْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٍ باليَاقوتِ والزَّبَرْجَدِ، عَلَيْهَا الشُّهَدَاءُ والصِّدِّيقُونَ، فَجَلسُوا منْ ورَائهمْ على تِلْكَ الكُثُبِ، فيقول اللهُ ﷿: أنّا رَبُّكم قَدْ صَدَقْتُكم وَعْدي، فَسَلُوني أُعْطِكم، فيقولون: ربَّنا نَسْألُكَ رِضوَانَكَ، فيقولُ: قَدْ رَضيتُ عَنْكُمْ، ولَكُمْ عِنْدي ما تَمَنَّيْتُمْ، وَلَديَّ مَزيدٌ، فَهُمْ يُحِبُّونَ يَومَ الجُمُعَةِ لمَا يُعْطِيهمْ فيهِ رَبُّهُمْ منَ الْخَيْرِ، وهُوَ اليومُ الَّذي اسْتَوَى فيهِ ربُّكُمْ على الْعَرْشِ، وفيه خلقَ آدَم، وفيه تقُومُ السَّاعةُ" (١).
وقد رواهُ البزّارُ منْ حديثِ جَهْضمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عن أبي طَيْبَة، عن عُثْمانَ بن عُمَيْرٍ، عنْ أنس بن مالك، قال: قال رسولُ الله ﷺ: "أتَاني جِبْرِيلُ وفي يَدِهِ مِرآةٌ بَيضاءُ فيهَا نُكْتةٌ سَودَاء، فقلت: ما هذه يا جبريل؟ فقال: هذه الجمعةُ يَعْرِضُها عليك ربُّك لِتكون لكَ عِيدًا، ولأمتك منْ بَعْدِك، تكُونُ أنتَ الأوَّلَ، وتكُونُ الْيَهُودُ والنَّصَارَى منْ بَعْدِكَ، قال: ما لَنا فِيهَا؟ قالَ: لكُمْ فيهَا خَيْرٌ، لكُمْ فيها سَاعَةٌ منْ دَعَا رَبَّهُ فِيها بِخَيْرٍ هُوَ لَهُ قِسْمٌ إلا أعْطاهُ إياهُ، أوْ لَيْسَ لهُ بقسمْ، إلا ادَّخَر لهُ ما هو أعْظَمُ منْهُ، أو تعوَّذ فيها منْ شر ما هُوَ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ، إلا أعاذَهُ مما هو أعظم منْهُ" قال: "قُلْتُ: ما هَذ النُكْتةُ السَّوْداءُ؟ قال: هيَ السَّاعَةُ تَقُومُ يَوْمَ الجمعة، وهُوَ سَيِّد الأيام عِنْدنا، ونَحْن نَدْعُوهُ في الآخِرةِ يَوْمَ الْمَزيدِ، قلت: وما يَوْمُ الْمَزيدِ؟ قال: إنَّ رَبَّكَ اتَّخَذَ وَادِيًا في الْجَنَّةِ أفْيَح، منْ مِسكٍ أبْيضَ، فإذَا كانَ يَوْمُ الجمُعَةِ نَزَل تعالى منْ عِلِّيِّين على كُرْسِيِّهِ، ثمَّ حُفَّ الْكُرْسيُّ بمنابرَ منْ نُور، وجَاءَ النَّبيُّون حتَّى يَجْلسُوا عَلَيْها، ثمَّ حُفَّ المنَابرُ بكَراسِيَّ منْ ذَهَبٍ، ثمَّ جَاءَ الصِّدِّيقُونَ، والشُّهداءُ حتَّى يجلسُوا علَيْها، ثمَّ يَجِيءُ أهْلُ الْجَنَّةِ حتَّى يجْلِسُوا على الكُثُبِ، فيَتَجَلَّى لهُمْ رَبُّهُمْ ﷿ حتَّى يَنْظرُوا إلى وَجْههِ، وهُوَ يَقُولُ: أنَا الَّذي صَدَقْتُكُمْ وَعْدي، وأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي، هذا مَحَلُّ كَرَامَتي، فَسَلُوني، فيَسألُونَهُ الرِّضَا، فيَقُولُ: رِضَايَ أحلَّكمْ دَاري، وأنالَكمْ كَرَامتي، فَاسْألُوني، فَيَسألُونهُ، حتَّى تَنْتَهي رَغْبَتُهُمْ، فَيُفْتحُ لهم عِنْدَ ذَلِكَ من إنعامه مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَر على قَلْبِ بَشَرٍ، وذلك إلى مِقْدار منصرف النَّاسِ من الجمعةِ، ثمَّ يَصْعَدُ تعَالى على كُرْسيَّهِ وَيَصْعد مَعهُ الشُّهَداءُ، والصِّدِّيقُون" وأحْسَبُهُ فالَ: "وَيرْجِعُ أهْلُ الغُرَفِ إلى غُرَفِهمْ دُرَّةً بَيْضاء لا قَصْم فِيهَا ولا وَصْم، أوْ يَاقُوتةً حَمْراءَ، أوْ زَبرْجَدةً خَضْراءَ، منها غُرفُهَا وأبْوَابُها، مُطَّرِدةً فِيهَا أنْهَارُهَا، مُتَدَلِّيةً فيها ثمَارُها، فِيهَا أزْوَاجُها وَخَدَمُها، فَلَيْسُوا إلى شَيْءٍ أحْوَجَ مِنْهُمْ ولا أشوق إلى يَوْمِ الجمعةِ ليزدَادُوا فيهِ كرَامةً، ويَزدادُوا نَظرًا إلى وَجْههِ تعالَى، ولذلكَ سُمِّيَ يَوْمَ المَزيدِ".
ثمَّ قال البزَّار: لا نعْلمُ أحدًا رواهُ عنْ أنسٍ غيْر عُثمان بن عُمَيْرٍ أبي اليَقْظانِ، وعُثْمان بن صالحٍ
(١) رواه الشافعي في "مسنده" (١/ ٣٧٤ - بترتيب السندي) وإسناده ضعيف.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute