للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حمراء لَعْساء، زلفاء، عَيْطاء، شَمّاء الأنف، معتدلة القامة والهامة، درماء الكعبين، خَدَلَّجة الساقين، لَفَّاء الفخذين، خميصة (١) الخصرين، ضامرة الكشحين، مصقولة المتنين. قال: فلما رأيتها أُعجِبْتُ بها، وقلتُ: لأطلبَنَّ إلى رسول الله فيجعلها في فَيْئي. فلما تكلَّمَتْ أُنسِيْتُ جمالَها لِما رأيتُ من فصاحتها. فقالت: يا محمد إنْ رأيتَ أن تُخلّي عني ولا تُشمت بي أحياء العرب، فإني ابنة سيد قومي، وإن أبي كان يَحمي الذمار، ويفك العاني، ويُشبع الجائع، ويكْسو العاري، ويَقْري الضيف، ويُطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يَرُدَّ طالبَ حاجةٍ قط، أنا ابنة حاتم طيء. فقال النبي : "يا جَارية هَذه صِفةُ المؤمنين حقًا، لو كانَ أبوكِ مؤمنًا لترحَّمْنا عليه، خَلُّوا عنها فإن أباها كان يُحِبُّ مكارمَ الأخلاق، والله تعالى [يحبُّ مكارمَ الأخلاق"] (٢). فقام أبو بردة بن دينار فقال: يا رسول الله، والله يُحبُّ مكارمَ الأخلاق؟ فقال رسول الله : "والذي نفسي بيده لا يدخلُ الجنةَ أحدٌ إلا بحُسْن الخلق" (٣).

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدَّثني عُمر بن بكر، عن أبي عبد الرحمن الطائي -هو الهيثم (٤) بن عدي- عن عثمان، عن عركى بن حليس الطائي، عن أبيه، عن جده، وكان أخا عدي بن حاتم لأمه قال: قيل لنَوار امرأة حاتم: حدّثينا عن حاتم. قالت: كل أَمْره كان عجبًا. أصابتنا سَنَةٌ حصتْ كلَّ شيءٍ، فاقشعرَّت لها الأرضُ واغْبرَّتْ لها السماء، وضَنَّت المراضع على أولادها، وراحت الإبل حُدْبا حَدابير، ما تَبِضّ (٥) بقطرة، وحَلَقتِ المالَ، وإنا لفي ليلة صنَّبْر (٦)، بعيدة ما بين الطرفين، إذا تَضَاغَى الأصبيةُ (٧) من الجوع: عبد الله، وعدي، وسَفّانة، فوالله إنْ وَجَدْنا شيئًا نُعلّلهم به. فقام إلى أحد الصبيين (٨)


(١) اللعساء: التي في شفتها سواد مستحسن. الزلفاء: الصقيلة البشرة من الزَّلَفة، وهي المرآة النظيفة المستوية. والعيطاء: الطويلة العنق. ودرماء الكعبين: أي غطاهما اللحم حتى لم يبن لهما حجم. والخَدَلَّجَة: الممتلئة الذراعين والساقين. واللَّفَّاء: الضخمة الفخذين. والخميصمة: الضامرة. والكشح: ما بين السرة ووسط الظهر. والمتن: الظهر، أو ما ظهر منها.
(٢) ليست في ب.
(٣) وروى الخبر الأصبهاني في الأغاني (الثقافة ١٧/ ٢٧٨ - ٢٧٩)، وابن عساكر في تاريخه (١١/ ٣٦٣ - ٣٦٤).
(٤) كذا في ب، وهو الصحيح. وفي أ، وط: القاسم بن عدي، وهو سهو.
والهيثم بن عدي بن عبد الرحمن الطائي أبو عبد الرحمن، ولد بالكوفة، وسكن بغداد، كان عالمًا بالسير وأخبار العرب، تكلموا فيه. وتوفي سنة (٢٠٧ هـ). سير أعلام النبلاء (١٠/ ١٠٣ - ١٠٤)، والمجروحين (٣/ ٩٢ - ٩٣).
(٥) والحُدب: جمع حدباء، وهي التي بدت حراقفها وعظم ظهرها.
والحدابير: جمع حِدْبير، وهي الإبل الضامرة. والسنة الجدبة أيضا. والبَضُّ: السيلان ببطء.
(٦) حلقت المال: ذهبت بالإبل. وليلة صِنَّبْر: شديدة البرد.
(٧) ضغا: صاح. وأصبية: جمع صبي.
(٨) في ب، وط: الصبيان.