للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"مضت الهجرة لأهلها، أُبايعه على الإسلام والجهاد". فلقيت أبا معبدٍ فسألته، فقال: صدق مجاشع. وقال خالد، عن أبي عثمان عن مجاشع، أنه جاء بأخيه مجالد.

وقال البخاريُّ (١): ثنا عمرو بن خالد، ثنا زهير، ثنا عاصم، عن أبي عثمان قال: حدَّثني مجاشع قال: أتيت رسول الله بأخي بعد يوم الفتح فقلت: يا رسول الله، جئتك بأخي لتبايعه على الهجرة، قال: "ذهب أهل الهجرة بما فيها". فقلت: على أي شيء تبايعه؟ قال: "أبايعه على الإسلام والإيمان والجهاد". فلقيت أبا معبد بعد، وكان أكبرهما سنًّا، فسألته، فقال: صدق مجاشع.

وقال البخاريُّ (٢): ثنا محمد بن بشَّار، ثنا غندر، ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن مجاهد قال: قلت لابن عمر: أريد أن أهاجر إلى الشام. فقال: لا هجرة، ولكن جهاد، انطلق فاعرض نفسك، فإن وجدت شيئًا وإلا رجعت. وقال النَّضر: أنا شعبة، أنا أبو بشر، سمعت مجاهدًا قال: قلت لابن عمر، فقال: لا هجرة اليوم - أو بعد رسول الله - … مثله.

حدَّثنا (٣) إسحاق بن يزيد، ثنا يحيى بن حمزة، حدَّثني أبو عمرو الأوزاعيُّ، عن عبدة بن أبي لبابة، عن مجاهد بن جبر، أن عبد الله بن عمر قال: لا هجرة بعد الفتح.

وقال البخاريُّ (٤): ثنا إسحاق بن يزيد، أنا يحيى بن حمزة، أنا الأوزاعيُّ، عن عطاء بن أبي رباح قال: زرت عائشة مع عبيد بن عمير، فسألها عن الهجرة فقالت: لا هجرة اليوم، كان المؤمن يفرُّ أحدهم بدينه إلى الله، ﷿، وإلى رسوله ؛ مخافة أن يفتن عليه، فأما اليوم فقد أظهر الله الإسلام، فالمؤمن يعبد ربَّه حيث يشاء، ولكن جهاد ونيَّة.

وهذه الأحاديث والآثار دالة على أن الهجرة - إما الكاملة أو مطلقًا - قد انقطعت بعد فتح مكة؛ لأن الناس دخلوا في دين الله أفواجًا، وظهر الإسلام وثبتت أركانه ودعائمه، فلم تبق هجرة، اللهمَّ إلا أن يعرض حال يقتضي الهجرة بسبب مجاورة أهل الحرب، وعدم القدرة على إظهار الدين عندهم، فتجب الهجرة إلى دار الإسلام، وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء، ولكنَّ هذه الهجرة ليست كالهجرة قبل الفتح، كما أن كلًّا من الجهاد والإنفاق في سبيل الله مشروع ومرغَّب فيه إلى يوم القيامة، ولكن ليس كالإنفاق ولا الجهاد قبل الفتح، فتح مكة. قال الله تعالى: ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ الآية [الحديد: ١٠].


(١) في "صحيحه" رقم (٤٣٠٥) و (٤٣٠٦).
(٢) في "صحيحه" رقم (٤٣٠٩) و (٤٣١٠).
(٣) القائل هو الإمام البخاري، والحديث في "صحيحه" رقم (٤٣١١).
(٤) في "صحيحه" رقم (٤٣١٢).