للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= الضروري أن يحمل إليهم إخوانهم المؤمنون ببركات الإسلام وآلائه، ويضموهم إلى الدولة القومية التي أنشؤوها منذ وقت قريب (تأريخ الشعوب الإسلامية / ٩٣).
ويقول أيضًا: وكان من الطبيعي أن تصبح الغنائم التي وقعت في أيدي العرب هناك - والتي تتحدث عنها الروايات حديثًا حافلًا بالعجائب - حافزًا قويًّا للعرب في الجزيرة لاسيما عندما اضطروا إلى تجهيز النجدات لتحل محل الخسائر التي ألمت بهم في الأرواح (تأريخ الشعوب الإسلامية / ٩٧).
أما الدكتور إبراهيم البيضوني فهو يناقش دوافع الفتوح في عهد الخلافة الراشدة ويقول بعد التي واللتيا:
وهكذا فإن الزعم بأن المقاتل العربي المسلم كان يبحث عن ضالته في الحملات العسكرية وراء حدود شبه الجزيرة العربية هربا من الجوع، لا يعبر بدقة عن واقع كان يختلف تمامًا عن هذا التصور، كما أن الاندراج تحت لواء العقيدة وفق مخطط تبشيري للدعوة إلى الإسلام ليس كافيا بدوره لتعبئة جماعات كان الإيمان الصحيح يعوز بعضها، ومن هنا فإن الاعتماد على دافع محدد لمناقشة حركة الفتوح يبدو عميقًا ولا ينتهي إلى نتائج إيجابية؛ لأن أكثر من عامل ساهم معًا في تهيئة الأجواء المناسبة لتحقيق انتصارات العرب الساطعة في العراق والشام وأفريقية ... إن القضايا الحيوية في التأريخ سياسية كانت أم اجتماعية تأخذ مسارها الخلاق عبر تمازج عضوي بين مثالية المبدأ وبين واقعية المصلحة المشتركة (ملامح التيارات السياسية في القرن الأول الهجري / ٣٩).
قلنا: وهذه رؤى مادية لتفسير التأريخ الراشدي لا تكاد تفهم الأسباب الحقيقية والدوافع الكامنة وراء هذه الحركة العجيبة من الفتوح والتي وضعها البيضوني نفسه قائلًا: إذ أن قضية الفتوحات أثارت جدلًا ولا تزال خاصة وأن الانتصارات المذهلة التي سجلتها، وما رافقها في انتشار واسع خلال مدة وجيزة من الوقت، ما يجعل الباحث أمام قضية شائكة أقرب إلى الكفر وهو يتحرى جوانبها المختلفة.
ونحن نقول: الروايات التأريخية التي وردت بأسانيد صحيحة (منها ما ذكرنا ومنها ما سنذكر بعد قليل) تؤكد تمامًا خلاف ما ذهب إليه أصحاب التفسير المادي للتأريخ وكل مستشرق ومتغرب، وإلّا قل لي بربك: أيّة مصلحة مادية تطغى على فراق الأهل والأحباب في جزيرة العرب ثم الذهاب إلى بلاد بعيدة عن الموطن الإسلامي ومناجزة أغنى دولتين في العالم القديم (الفارسية والبيزنطية). ولو كان المال دافعًا لاستحوذ الصحابة على الغنائم التي وقعت تحت أيديهم ولم يسلموها لقادة الجيش كالذي وقعت يداه على تاج كسرى وجواهره فسلّمه للقائد المسلم وهو متلثم حتى لا يعرفه الناس فيقل أجره عند الله.
وقل لي بربك: ما هذا الدافع المادي والمصلحة المشتركة التي تدفع أبا عبيدة أن يبقى مع الآلاف من جنده ليواجهوا جميعًا الموت بالطاعون في الشام؟ ! ألا أن الامتثال لأمر الله =

<<  <  ج: ص:  >  >>