للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكر الخبر عن أَصحاب الكهف

وكان أصحابُ الكهف فتيةً آمنوا بربِّهم؛ كما وصفهم الله عزّ وجلّ به من


= ثم قال مخاطبًا للرسل: {إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} قيل: فاستمعوا مقالتي واشهدوا لي بها عند ربكم، وقيل معناه: فاستمعوا يا قومي إيماني برسل الله جهرة، فعند ذلك قتلوه، قال تعالى: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ} يعني لما قتله قومه أدخله الله الجنة، فلما رأى فيها من النضرة والسرور {قَال يَاليتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} يعني: ليؤمنوا بما آمنت به فيحصل لهم ما حصل لي.
قال ابن عباس: نصح قومه في حياته بقوله: {يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} وبعد مماته في قوله: {يَاليتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} رواه ابن أبي حاتم. وكذلك قال قتادة: لا يلقى المؤمن إلا ناصحًا، لا يلقى غاشًّا، لما عاين ما عاين من كرامة الله. {يَاليتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} تمنى والله أن يعلم قومه بما عاين من كرامة الله وما هو عليه! .
قال قتادة: فلا والله ما عاتب الله قومه بعد قتله: {إِنْ كَانَتْ إلا صَيحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ}. وقوله تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ} أي وما احتجنا في الانتقام منهم إلى إنزال جند من السماء عليهم.
هذا معنى ما رواه ابن إسحاق عن بعض أصحابه، عن ابن مسعود، قال مجاهد وقتادة: وما أنزل عليهم جندًا، أي رسالة أخرى. قال ابن جرير: والأول أولى.
قلت: وأقوى، ولهذا قال: {وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ} أي وما كنا نحتاج في الانتقام إلى هذا حين كذبوا رسلنا وقتلوا ولينا {إِنْ كَانَتْ إلا صَيحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ}.
أي قد أخمدت أصواتهم، وسكنت حركاتهم، ولم يبق منهم عين تطرف.
وهذا كله مما يدل على أن القرية ليست أنطاكية, لأن هؤلاء أهلكوا بتكذيبهم رسل الله إليهم، وأهل أنطاكية آمنوا واتبعوا رسل المسيح من الحواريين إليهم، فلهذا قيل: إن أنطاكية أول مدينة آمنت بالمسيح.
فأما الحديث الذي رواه الطبراني من حديث حسين الأشقر، عن سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "السبق ثلاثة: فالسابق إلى موسى: يوشع بن نون، والسابق إلى عيسى: صاحب يس، والسابق إلى محمد: علي بن أبي طالب"، فإنه حديث لا يثبت, لأن حسينًا هذا متروك شيعي من الغلاة، وتفرده بهذا مما يدل على ضعفه بالكلية .. والله أعلم. [الحديث أخرجه الطبراني ١١/ ١١١٥٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>