للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذُكِر أنّه لما مات محمد بن سليمان وجَّه الرشيد إلى كلّ ما خلَّفه رجلًا أمره باصطفائه، فأرسل إلى ما خلّف من الصّامت من قبَل صاحب بيت ماله رجلًا، وإلى الكسوة بمثل ذلك، وإلى الفرُش والرّقيق والدوابّ من الخيل والإبل، وإلى الطيِّب والجوهر وكلّ آلة برجلٍ من قِبَل الذي يتولّى كلّ صنف من الأصناف، فقدِموا البَصْرة، فأخذوا جميعَ ما كان لمحمد ممّا يصلح للخلافة، ولم يتركوا شيئًا إلا الخُرْثِيّ الذي لا يصلح للخلفاء، وأصابوا له ستّين ألف ألف، فحملوها مع ما حُمِل، فلما صارت في السُّفنُ أخبِر الرشيد بمكان السُّفن التي حملت ذلك، فأمر أن يُدْخَل جميعُ ذلك خزائنه إلا المال، فإنه أمر بصكاك فكُتبت للنُّدماء، وكتبت للمغنّين صِكاك صغار لم تُدَرْ في الديوان، ثم دفع إلى كلّ رجل صَكًّا بما رأى أن يَهَب له، فأرسلوا وكلاءهم إلى السفن، فأخذوا المال على ما أمر لهم به في الصِّكاك أجمع، لم يدخل منه بيتَ ما له دينار ولا درهم، واصطفى ضياعه، وفيها ضيعة يقال لها بَرَشيد بالأهواز لها غلَّة كثيرة.

وذكر عليّ بن محمد، عن أبيه، قال: لما مات محمد بن سليمان أصيب في خِزانة لباسه مذ كان صبيًّا في الكُتَّاب إلى أن مات مقادير السنين، فكان من ذلك ما عليه آثار النِّقْس. قال: وأخرج من خِزانته ما كان يُهدَى له من بلاد السِّند ومُكران وكِرْمان وفارسَ والأهواز واليمامة والرّيّ وعُمان، من الألطاف والأدْهان والسّمك والحبوب والجبن، وما أشبه ذلك، ووجِد أكثره فاسدًا. وكان من ذلك خمسمائة كَنْعَدَة ألقيَتْ من دار جعفر ومحمد في الطريق، فكانت بلاءً. قال: فمكثنا حينًا لا نستطيع أن نمرّ بالمِرْبَد من نتنها (١).

* * *

ذكر الخبر عن وقت وفاتها (الخيزُران)

ذكر يحيى بن الحسن أن أباه حدّثه، قال: رأيتُ الرّشيد يوم ماتت الخيزُران، وذلك في سنة ثلاث وسبعين ومائة، وعليه جُبة سعيديّة وطيلسان خَرِقٌ أزرق، قد شُدّ به وسطُه، وهو آخذ بقائمة السرير حافيًا يعدُو في الطين، حتى أتى مقابر قُريش فغسل رجليه، ثم دعا بخُفّ وصلّى عليها، ودخل قبرها، فلما خرج من


(١) علي بن محمد هو النوفلي لم نجد له ترجمة وفي متون بعض مروياته نكارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>