ألفًا، إن رجعت إلي الكوفة لم يتخلّف عنك أحدٌ، وأعطوُه المواثِيق والأيمان المغلَّظة، فجعل يقول: إني أخاف أن تخذلوني وتسلموني كفعلكم بأبي وجدّي. فيحلفون له، فيقول داود بن عليّ: يابن عمّ، إن هؤلاء يغرّونَك من نفسك! أليس قد خذلوا مَن كان أعزّ عليهم منك؛ جدّك عليّ بن أبي طالب حتي قتل! والحسن من بعده بايعوه ثم وثبوا عليه فانتزعوا رداءه من عنقه، وانتهبوا فُسطاطه، وجرَحوه! أوَليس قد أخرجوا جدّك الحسين، وحلَفوا له بأوْكد الأيمان ثم خذلوه وأسلموه، ثم لم يرضْوا بذلك حتي قتلوه! فلا تفعلْ ولا ترجع معهم، فقالوا: إن هذا لا يريد أن تظهر أنتَ، ويزعم أنه وأهل بيته أحقّ بهذا الأمر منكم، فقال: زيد لداود: إن عليًّا كان يقاتله معاوية بدهائه ونكرائه بأهل الشأم، وإنّ الحسين قاتله يزيد بن معاوية والأمر عليهم مقبل؛ فقال له داود: إني لخائف إن رجعتَ معهم ألّا يكون أحد أشدَّ عليك منهم؛ وأنت أعلم، ومضي داود إلي المدينة ورجع زيد إلي الكوفة [٧/ ١٦٧ - ١٦٨].
وذكر عمر عن أبي إسحاق -شيخٌ من أهل أصبهان حدّثه- أن عبد الله بن حسن كتب إلي زيد بن عليّ: يا بن عمّ؛ إن أهلَ الكوفة نُفخ العلانية، خور السريرة، هُوج في الرخاء، جُزُع في اللقاء، تقدمهم ألسنتهم، ولا تشايعهم قلوبُهم، لا يبيتون بعُدّة في الأحداث، ولا ينوؤن بدولة مرجوّة، ولقد تواترت إليّ كتبهم بدعوتهم، فصمّصْت عن ندائهم؛ وألبست قلبي غشاءً عن ذكرهم؛ يأسًا منهم واطراحًا لهم؛ وما لي مَثَل إلا ما قال عليّ بن أبي طالب:
إن أهمِلتم خضتم، وإن حُوربتم خُرْتم، وإن اجتمع الناس علي إمام طعنتم، وإن أجبتم إلي مشاقّة نكصتم. [٧/ ١٦٩].
* * *
ذكر الخبر عن غزوة نصر بن سيّار ما وراء النهر
وفي هذه السنة غزا نصر بن سيار ما وراء النهر مرِّتين، ثم غزا الثالثة، فقتل كورصُول.
ذكر الخبر عن غزواته هذه:
ذكرَ عليّ عن شيوخه: أن نصرًا غزا من بَلْخ ما وراء النهر من ناحية باب