للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= والظاهر من هذه السياقات أن فرعون - لعنه الله - صلبهم وعذبهم رضي الله عنهم، قال عبد الله بن عباس وعبيد بن عمير: كانوا من أول النهار سحرة، فصاروا من آخره شهداء بررة! ويؤيد هذا قولهم: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَينَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ}.

[كبار قوم فرعون يحرضونه على إيذاء موسى]:
ولما وقع ما وقع من الأمر العظيم، وهو الغلب الذي غلبته القبط في ذلك الموقف الهائل وأسلم السحرة الذين استنصروا بهم، لم يزدهم ذلك إلَّا كفرًا وعنادًا وبعدًا عن الحق. قال الله تعالى بعد أن قصّ ما تقدم في سورة الأعراف: {وَقَال الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَال سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (١٢٧) قَال مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (١٢٨) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَال عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: ١٢٧ - ١٢٩].
يخبر تعالى عن الملأ من قوم فرعون، وهم الأمراء والكبراء، أنهم حضُّوا ملكهم فرعون على أذية نبي الله موسى - عليه السلام -، ومقابلته بدل التصديق بما جاء به، والكفر والرد والأذى.
قالوا: {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} يعنون - قبحه الله - أن دعوته إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والنهي عن عبادة ما سواه، فساد بالنسبة إلى اعتقاد القبط، لعنهم الله. وقرأ بعضهم: {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} أي وعبادتك. ويحتمل شيئين أحدهما: ويذر دينك، وتقويه القراءة الأخرى. والثاني: ويذر أن يعبدك، فإنه كان يزعم أنه إله، لعنه الله. {قَال سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} أي لئلا يكثر مقاتلتهم {وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} أي غالبون. {قَال مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا} أي إذا هم هموا بأذيتكم والفتك بكم فاستعينوا أنتم بربكم واصبروا على بليتكم {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} أي فكونوا أنتم المتقين تكون لكم العاقبة، كما قال في الآية الأخرى: {وَقَال مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}.
وقولهم: {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} أي قد كانت الأبناء تقتل قبلَ مجيئك وبعد مجيئك إلينا {قَال عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيفَ تَعْمَلُونَ}. وقال الله تعالى في سورة غافر: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٢٣) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ}.
وكان فرعون الملك، وهامان الوزير، وكان قارون إسرائيليًّا من قوم موسى، إلَّا أنه كان في دين فرعون ومَلَئه، وكان ذا مال جزيل جدًّا، كما ستأتي قصته فيما بعد إن شاء الله تعالى. {فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيدُ =

<<  <  ج: ص:  >  >>