مما لا شك فيه أن الله سبحانه وتعالى جعل لتاريخ البشرية سننًا ولابد للباحث أن يستخلص العبر ويجد الأسباب الظاهرة المؤدية إلى الحدث، وما ذكرنا من روايات الطبري في قسم الصحيح تبين ما يلي: لقد أخطأ مصعب بن الزبير حين أرسل قواده المعتمدين إلى الأطراف بعيدًا عنه، فعبد الله بن خازم في خراسان وهو أحد قواده المعتمدين ولطالما حاول عبد الملك استمالته، والمهلب بن أبي صفرة ذلك القائد الشجاع المعروف ببراعته في الحرب بعيدًا عنه، وعبَّاد بن حصين في البصرة، وعمر بن عبيد الله بن معمر استعمله على فارس، وأخيرًا فإن إبراهيم بن الأشتر مقتول. بالإضافة إلى عوامل أخرى فإن بعض القواد أصيبوا بالملل من تواصل الفتن والمعارك بين المسلمين دون جدوى: إضافةً إلى من استماله عبد الملك ورغبه فخذل مصعبًا في وقت حاسم وصعب، والله أعلم. ولا بأس بأن نستشهد برأي مؤرخ معاصر ويتحدث عن المعركة بين عبد الملك ومصعب: يقول الدكتور يوسف العش -رحمه الله- ودخل الصراع الآن بين عبد الملك وعبد الله بن الزبير في مرحلة أخيرة فمصعب سائد في العراق وابن مروان في الشام لكن لكلا الرجلين متاعب في بلده، فمصعب يحارب الخوارج وجيشه يحوي العديد من الشيعة الذين أعمل القتل فيهم مع جيش المختار فكانوا ولا ريب يحقدون عليه للنفوس التي ذهب دمها هدرًا. [الدولة الأموية / ١٩٨]. ويقول العش: وكان ابن مروان يعرف حال العراق معرفة جيدة ويعرف أهله ويعرف السبيل إلى استماله قلوبهم وخير ما يتخذه لذلك هو التفريق بين مصعب وقواده، وقواد مصعب يؤخذون بالدهاء والمال والإمارة. [الدولة الأموية / ٢٠٠].