المعتضد من الأمان، وما أمر بردّه عليهم من أمتعتهم، فلحقوا بعكسر المعتضد داخلين في أمانه. وكان نزول المعتضد بالمصّيصة - فيما قيل - يوم الأحد لعشر بقين من ذي القعدة، فأقام بها إلى الأحد الآخر، وكتب إلى وجوه أهل طَرَسُوس في المصير إليه، فأقبلوا إليهم منهم النُّغيل - وكان من رؤساء الثغر - وابن له، ورجل يقال له ابن المهندس، وجماعة معهم، فحبس هؤلاء مع آخرين، وأطلق أكثرهم. فحمل الذين حبسهم معه إلى بغداد، وكان قد وجَد عليهم لأنهم - فيما ذكر - كانوا كاتبوا وصيفًا الخادم، وأمر المعتضد بإحراق جميع المراكب البحرية التي كان المسلمون يغزون فيها وجميع آلاتها.
وذكر أن دميانة غلام يازمان هو الذي أشار عليه لشيء كان في نفسه على أهل طرسوس، فأحرق ذلك كله، وكان في المراكب نحو من خمسين مركبًا قديمًا قد أنفق عليها أموالٌ جليلة لا يُعمل مثلها في هذا الوقت فأحرقت، فأضرّ ذلك بالمسلمين، وكسر ذلك في أعضادهم، وقويَ به الروم، وأمنوا أن يُغْزوا في البحر. وقلّد المعتضد الحسنَ بن علي كورة الثغور الشأمية بمسألة من أهل الثغور واجتماع كلمتهم عليه، ورحل المعتضد - فيما قيل - من المصِّيصة فنزل فُندُق الحسين، ثمَّ الإسكندرية، ثمَّ بَغْراس ثمَّ أنطاكية، لليلتين خلتا من ذي الحجة. فأقام بها إلى نحَر، وبكّر في ثاني النحر بالرحيل، فنزل أرتاحَ ثمَّ الأثارب ثمَّ حلب، فأقام بها يومين، ثمَّ رحل إلى الناعورة، ثمَّ إلى خُساف، وصفِّين هناك في الجانب الجَزَري، وبيت مال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - في الجانب الآخر، ثمَّ إلى يالس، ثمَّ إلى دَوْسر، ثمَّ إلى بطن دامان، ثمَّ إلى الرّقة، فدخلها لثمان بقين من ذي الحجة، فأقام بها إلى أن بقيَ ليلتان منه.
* * *
[ذكر الخبر عن مقتل محمَّد بن زيد العلويّ](١)
ولخمس بقين من شوّال ورد الخبر على السلطان بأن محمَّد بن زيد العلويّ قتِل.
(١) لوفاة محمَّد بن زيد العلوي (أمير طبرستان) انظر تاريخ الإِسلام (حوادث ووفيات ٢١٨ - ٢٩٠ هـ) والبداية والنهاية [٨/ ٢٦٣].