الفارسان الأفشين على أقلِّ من فرسخ من أرشق، فساعة نظر إليهما من بعيد قال لصاحب مقدَّمته: أرى فارسين يركُضان ركضًا شديدًا، ثم قال: اضربوا الطبل، وانشروا الإعلام واركضوا نحو الفارسين، ففعل أصحابه ذلك، وأسرعوا السير، وقال لهم: صيحوا بهما لبيكَ لبيك! فلم يزل الناس في طَلقٍ واحدٍ متراكضينَ، يكسرُ بعضهم بعضًا حتى لحقوا بابك؛ وهو جالسٌ، فلم يتدارك أن يتحوَّل ويركب حتى وافتهُ الخيل والناس، واشتبكت الحرب، فلم يفلت من رجالة بابك أحد، وأفلت هو في نفر يسير، ودخل مُوقان، وقد تقطَّع عنه أصحابه، وأقامَ الأفشين في ذلك الموضع، وبات ليلته ثم رجع إلى معسكره ببرزند، فأقام بابك بمُوقان أيامًا. ثم إنه بعث إلى البذ، فجاءه في الليل عسكر فيهِ رجَّالة، فرحل بهم من موقان حتى دخل البذ، فلم يزل الأفشين معسكرًا ببرزَند، فلما كان في بعض الأيام مرَّت به قافلة من خُش إلى بَرزند، ومعها رجلٌ من قِبَل أبي سعيد يسمى صالح آب كش - تفسيره السقاء - فخرج عليه أصبهبذ بابك، فأخذ القافلةَ وقتل مَنْ فيها، وقتل مَنْ كانَ مع صالح، وأفلتَ صالح، بلا خف مع من أفلت، وقُتِلَ جميعُ أهل القافلة، وانتُهِبَ متاعهم، فقحط عسكر الأفشين من أجل تلك القافلةِ التي أخذت من الآب كش؛ وذلكَ أنها كاتت تحمل الميرة، فكتب الأفشين إلى صاحب المراغة يأمرهُ بحمل الميرة تعجيلها عليه؛ فإنَّ الثاسَ قد قحطوا وجاعوا، فوجه إليه صاحب المراغة بقافلة ضخمة، فيها قريب من ألف ثَوْر سوى الحمرُ والدوابّ وغير ذلك، تحمل الميرة، ومعها جند يُبذرقونها، فخرجت عليهم أيضًا سريَّةُ لبابك، كان عليها طَرْخَان - أو آذين - فاستباحوها عن آخرها بجميعِ ما فيها، وأصابَ الناس ضيق شديد؛ فكتب الأفشين إلى صاحب السيروَان أن يحمل إليه طعامًا فحمل إليها طعامًا كثيرًا، وأغاثَ الناسَ في تلكَ السنة وقدم بُغا على الأفشين بمالٍ ورجال.
[[ذكر الخبر عن خروج المعتصم إلى القاطول]]
وفي هذه السنة خرج المعتصم إلى القاطُول، وذلكَ في ذي القعدة منها (١).