[ذكر خروج رسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الملوك]
٢٠٥ - حدَّثنا ابنُ حميد، قال: حدَّثنا سلَمة، عن محمَّد بن إسحاق، عن ابن شهاب الزّهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتْبة بن مسعود، عن عبد الله بن عباس، قال: حدّثني أبو سُفيان بن حرب، قال: كنَّا قومًا تجّارًا، وكانت الحرب بيننا وبين رسول الله قد حصرتنا حتى نَهَكَتْ أموالنِا؛ فلمَّا كانت الهُدْنَة بينَنا وبين رسول الله، لم نأمَنْ ألا نجد أمنًا؛ فخرجتُ في نَفر من قريش تُجّار إلى الشأم؛ وكان وجهُ متجرنا منها غَزَّة، فقدمناها حين ظهر هِرَقْل على مَنْ كان بأرضه من فارس؛ وأخرجهم منها، وانتزع له منهم صليبه الأعظم؛ وكانوا قد استلبوه، فلمَّا بلغ ذلك منهم، وبلغه أن صليبه قد استنقذ له - وكانت حِمْصُ منزله - خرج منها يمشي على قدميه متشكرًا لله حين ردّ عليه ما ردّ، ليصلّيَ في بيت المقدس، تُبْسَطُ له البُسط، وتلقَى عليها الرياحين، فلمّا انتهى إلى إيلياء وقضى فيها صلاته، ومعه بطارقته وأشراف الروم، أصبح ذات غَداة مهمومًا يقلّب طرفه إلى السماءِ، فقال له بطارقته: والله لقد أصبحت أيها الملك الغداةَ مهمومًا، قال: أجلْ، أُريتُ في هذه الليلة أن مُلكَ الختان ظاهرٌ! قالوا له: أيها الملك، ما نعلم أمَّةً تختتن إلَّا يهود؛ وهم في سلطانك وتحت يدك؛ فابعث إلى كلّ مَنْ لك عليه سلطان في بلادك، فمرْه فليضرب أعناقَ كلّ مَنْ تحت يديه من يهودَ، واسترحْ من هذا الهمّ. فوالله إنَّهم لفي ذلك من رأيهم يُديرونه؛ إذْ أتاه رسولُ صاحب بُصْرَى برجل من العرب، يقوده - وكانت الملوك تَهَادَى الأخبار بينها - فقال: أيها الملك؛ إنَّ هذا الرجل من العرب من أهل الشَّاءِ والإبل؛ يحدّث عن أمر حَدَث ببلاده عجب؛ فسلْه عنه.
فلمَّا انتهى به إلى هِرَقْل رسول صاحب بُصرى، قال هرقل لتَرْجُمانه: سلْه، ما كان هذا الحدَث الَّذي كان ببلاده؟ فسأله فقال: خرج بين أظهرنا رَجُلٌ يزعُم أنَّه نبيّ، قد اتّبعه ناسٌ وصدّقوه، وخالفه ناس؛ وقد كانت بينهم ملاحم في مواطن كثيرة؛ فتركتهم على ذلك. قال: فلمَّا أخبره الخبر قال: جَرّدُوه، فجرَّدوه؛ فإذا هو مختُون، فقال هرقل: هذا والله الذي أريت؛ لا ما تقولون؛ أعطوه ثوبه؛ انطلق عنا. ثمَّ دعا صاحبَ شُرْطته، فقال له: قَلّب لي الشأم ظهرًا وبطنًا؛ حتى