الناس ممن حضر، وافتتحت القول بما حمّلني أمير المؤمنين إليهم، وأعلمتهم إعظامَ أمير المؤمنين ما أتاه، ووضح عنده من سوء سيرة عليّ، وما أمرني به فيه وفي عمّاله وأعوانه؛ وإني بالغٌ من ذلك ومن إنصاف العامّة والخاصّة والأخذ لهم بحقوقهم أقصى غايتهم. وأمرت بقراءة عهدي عليهم، وأعلمتهم أنّ ذلك مثالي وإمامي؛ وأنِّي به أقتدي، وعليه أحتذي؛ فمتى زلتُ عن باب واحد فقد ظلمتُ نفسي، وأحللت بها ما يحلّ بمن خالف رأي أمير المؤمنين وأمرَه؛ فأظهروا السرور بذلك والاستبشار، وعلتْ بالتكبير والتهليل أصواتُهم، وكثر دعاؤهم لأمير المؤمنين بالبقاء وحسن الجزاء.
ثم انكفأت إلى المجلس الذي كان عليّ بن عيسى فيه، فصرت إلى تقييده وتقييد ولده وأهل بيته وكتّابه وعماله والاستيثاق منهم جميعًا، وأمرتهم بالخروج إليّ من الأموال التي احتجنوها من أموال أمير المؤمنين وفيء المسلمين، وإعفائي بذلك من الإقدام عليهم بالمكروه والضرب، وناديت في أصحاب ودائعهم بإخراج ما كان عندهم. فحملوا إلى أن كتبت إلى أمير المؤمنين صدرًا صالحًا من الوَرق والعيْن، وأرجو أن يعين الله على استيفاء ما قِبلهم، واستنظاف ما وراء ظهورهم، ويسهّل الله من ذلك أفضلَ ما لم يزل يعوّده أمير المؤمنين من الصّنع في مثله من الأمور التي يعنى بها إن شاء الله تعالى.
ولم أدعّ عند قدومي مَرْو التقدّم في توجيه الرسل وإنفاذ الكتب البالغة في الإعذار والإنذار، والتبصير والإرشاد، إلى رافع ومَنْ قِبَلْه من أهل سَمَرْقَند، وإلى مَنْ ببلْخ، على حسن ظنّي بهم في الإجابة، ولزوم الطاعة والاستقامة؛ ومهما تنصرفْ به رسلي إليّ يا أمير المؤمنين من أخبار القوم في إجابتهم وامتناعهم، أعملْ على حسبه من أمرهم، وأكتب بذلك إلى أمير المؤمنين على حقِّه وصدقه. وأرجو أن يعرّف الله أميرَ المؤمنين في ذلك من جميل صنعه ولطيف كفايته؛ ما لم تزل عادته جارية به عنده، بمنِّه وطوله وقوّته والسلام.
[الجواب من الرشيد]
بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد، فقد بلغ أمير المؤمنين كتابُك بقدومك مَرْو في اليوم الذي سمّيت، وعلى الحال التي وصفت وما فسّرت، وما كنت