وفي هذه السنة خلع المعتزّ والمؤيّد أنفسهما، وأظهر المنتصر خلْعهما في القصر الجعفريّ المحدث (١).
* ذكر الخبر عن خلعهما أنفسهما:
ذُكر أن محمدًا المنتصر بالله لمّا استقامت له الأمور، قال أحمد بن الخصيب لوصيف وبغا: إنا لا نأمن الحدثان؛ وأن يموت أمير المؤمنين، فيليَ الأمرَ المعتزّ، فلا يُبقي منّا باقية، ويُبيد خضراءنَا؛ والرأي أن نعمل في خَلْع هذين الغلامين قبل أن يظفرا بنا، فجدّ الأتراك في ذلك، وألحّوا على المنتصر وقالوا: يا أمير المؤمنين؛ تخلعهما من الخلافة، وتبايع لابنك عبد الوهاب، فلم يزالوا به حتى فعل، ولم يزل مكرِمًا المعتزّ والمؤيد؛ على ميل منه شديد إلى المؤيد؛ فلمّا كان بعد أربعين يومًا من ولايته؛ أمر بإحضار المعتز والمؤيد بعد انصرافهما من عنده، فأحضِرا وجُعلا في دار، فقال المعتزّ للمؤيد: يا أخي، لمَ ترانا أحضرنا؛ فقال: يا شَقيّ، للخلْع! فقال: لا أظنه يفعل بنا ذلك، فبيناهم كذلك؛ إذ جاءهم الرسل بالخلْع، فقال المؤيد: السمع والطاعة، وقال المعتزّ: ما كنت لأفعل؛ فإنْ أردتم القتل فشأنكم، فرجعوا إليه، فأعلموه ثم عادوا بغلظة شديدة، فأخذوا المعتزّ بعنف، وأدخلوه إلى بيت، وأغلقوا عليه الباب.
فذُكر عن يعقوب بن السكيت: أنه قال: حدّثني المؤيد، قال: لما رأيتُ ذلك قلت لهم بجرأة واستطالة: ما هذا يا كلاب! فقد ضريْتم على دمائنا، تثبون على مولاكم هذا الوثوب! اغربُوا قبحكم الله! دعوني أكلّمه؛ فكاعوا عن جوابي بعد تسرُّع كان منهم، وأقاموا ساعة، ثم قالوا لي: القه إن أحببت، فظننتُ أنهم استأمروا، فقمت إليه، فإذا هو في البيت يبكي، فقلت: يا جاهل؛ تراهم قد نالوا من أبيك - وهو هو - ما نالوا، ثم تمتنع عليهم! اخلع ويلك ولا تراجعْهم! قال: سبحان الله! أمرٌ قد مضيت عليه، وجرى في الآفاق أخلعه من عنقي!