وقد صار إلى أمير المؤمنين في حَرّاقته، فدخل إليه من باب صاحب الخاصّة، فكلَّمه في حوائج الناس وغيرها من إصلاخ الثغور وغزو البحر، ثم خرج، فقال للناس: قد أمر أمير المؤمنين بقضاء حوائجكم، وبعث إلى أبي صالح يحيى بن عبد الرحمن يأمره بإنفاذ ذلك، ثم لم يزل يحدّثنا عن أبي مسلم وتوجيه معاذ بن مسلم حتى دخل منزله بعد المغرب، ووافانا في وقت السّحَر خبرُ مقتل جعفر وزوال أمرهم. قال: فكتبت إلى يحيى أعزّيه، فكتب إليّ: أنا بقضاء الله راض، وبالخيار منه عالم، ولا يؤاخذ الله العباد إلا بذنوبهم، وما ربك بظلام للعبيد. وما يعفو الله أكثر، ولله الحمد.
وفي ذلك يقول الرّقاشيّ:
أَيا سَبْتُ يا شرّ السُّبوتِ صَبيحةً ... ويا صفَرُ الَمشْؤُوم ما جئتَ أَشأَما
أَتَى السَّبْتُ بالأَمْرِ الَّذي هَدَّ ركنَنا ... وفي صَفَرٍ جاءَ البلاءُ مُصَمّما
قال: وذُكر عن مسرور أنه أعلم الرّشيد أن جعفرًا سأله أن تقع عينه عليه، فقال: لا، لأنه يعلم إن وقعت عيني عليه لم أقتله.
* * *
[[ما قيل في البرامكة من الشعر بعد زوال أمرهم]]
قال: وفيهم يقول الرّقاشيّ، وقد ذكر أن هذا الشعر لأبي نواس:
الآنَ استرحنا واستراحت ركابُنَا ... وأَمسَكَ من يُجْدِي ومن كانَ يَجْتَدِي
فَقُلْ لِلمَطَايا قد أَمِنتِ من السُّرَى ... وطَيّ الفيافي فَدْفَدًا بعدَ فَدفَدِ
وقُلْ للمَنايا: قد ظَفِرتِ بجَعْفرٍ ... ولن تَظفَرِي من بعدهِ بمُسَوَّدِ
وقُلْ للعطايا بَعدَ فضلٍ تَعَطَّلِي ... وقُلْ للرزايا كلَّ يومٍ تجَدَّدي
ودُونَكِ سيفًا برمكيًّا مُهَنَّدًا ... أُصيبَ بسيفٍ هاشميٍّ مُهَنَّدِ
وفيهم يقول في شعر له طويل:
إِن يغدُر الزَّمَنُ الخَؤون بنا فَقدْ ... غَدَرَ الزَّمَان بجعفرٍ ومُحَمَّدِ
حَتَّى إِذا وضح النهارُ تكشَّفَتْ ... عن قتلِ أَكْرَمِ هَالك لم يُلحَدِ
والبيضُ لوْلا أَنَّهَا مأْمُورةٌ ... ما فُلَّ حدُّ مُهَنَّدٍ بمهنَّد
يا آلَ برمَكَ كَمْ لكُمْ من نائِلٍ ... ونَدىً، كَعَدِّ الرَّملِ غيْرَ مُصَرَّدِ