للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا كتاب تاريخ الطبري (١)

وكتابه "المسمى تاريخ الرسل والملوك" (٢)، أو تاريخ الأمم والملوك (٣) يعدّ أوفى عمل تاريخي بين مصنَّفات العرب، أقامه على منهج مرسوم، وساقه في طريق استقرائيّ شامل؛ بلغت فيه الرواية مبلغها من الثقة والأمانة والإتقان أكمل ما قام به المؤرخون قبله، كاليعقوبي والبلاذري والواقدي وابن سعد؛ ومهَّد السبيل لمن جاء بعده كالمسعودي وابن مسكويه وابن الأثير وابن خلدون.

وقد كان التاريخ عند العرب في الجاهلية أخبارًا متفرّقة تتناقلها الشفاه، وروايات متناثرة تدور حول الأشعار والأمثال والأيام، وأساطير تكسوها المبالغة ويحوطها التهويل؛ عدا نقوشًا كتبت بالخط المسند على حوائط المعابد والأديرة وأعمدة الحصون والقصور في الحيرة واليمن. ثم كانت بعثة محمد عليه الصلاة والسلام، ومضى عهده وعهد الخلفاء الراشدين من بعده، وإذا المسلمون يخفون لتدوين أخباره عليه الصلاة والسلام، ويروون أنباء مولده ومبعثه وهجرته ومغازيه؛ فكان من تدوين تلك السيرة اللبِنة الأولى في تاريخ الإسلام؛ على أنها لم تعدُ في ذلك الحين أن تكون نوعًا من رواية الحديث. وكان أول من وضع في ذلك كتابًا عروة بن الزبير بن العوام، ثم تلاه أبان بن عثمان بن عفان؛ إلى أن بلغ فنُّ السيرة أوجه في كتاب ابن إسحاق.

ثم خرج المسلمون للغزو والجهاد، فهزّوا عروش كسرى وقيصر، وقوضوا دعائم الملك في بلاد الفرس والشام ومصر والروم، ودخلوا البلاد فاتحين. ثم


(١) مأخوذة من مقدمة الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم.
(٢) معجم الأدباء ١٨: ٦٨.
(٣) تاريخ بغداد ٢: ١٦٣، وكشف الظنون ٢٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>