للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= الله والاستعانة به، والالتجاء إليه، فائتمروا بذلك فجعل الله لهم مما كانوا فيه فرجًا ومخرجًا.
{وَأَوْحَينَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}.
أوحى الله تعالى إلى موسى وأخيه هارون عليهما السلام أن يتخذا لقومهما بيوتًا متميزة فيما بينهم عن بيوت القبط، ليكونوا على أهبة الرحيل إذا أُمروا به، ليعرف بعضهم بيوت بعض. وقوله: {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} قيل: مساجد، وقيل معناه: كثرة الصلاة فيها. قاله مجاهد وأبو مالك وإبراهيم النخعي والربيع والضحاك وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن وغيرهم. ومعناه على هذا: الاستعانة على ما هم فيه من الضر والشدة والضيق بكثرة الصلاة، كما قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا حزبه أمر صلى. وقيل معناه: أنهم لم يكونوا حينئذ يقدرون على إظهار عبادتهم في مجتمعاتهم ومعابدهم، فأُمروا أن يصلوا في بيوتهم، عوضًا عما فاتهم من إظهار شعائر الدين الحق في ذلك الزمان، الذي اقتضى حالهم إخفاءه خوفًا من فرعون ومَلَئه، والمعنى الأول أقوى لقوله: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} وإن كان لا ينافي الثاني أيضًا ... والله أعلم. وقال سعيد بن جبير: {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} أي متقابلة.

[غرق فرعون وجنوده]:
{وَقَال مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٨٨) قَال قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [يونس: ٨٨ - ٨٩].
هذه دعوة عظيمة دعا بها كليم الله موسى على عدو الله فرعون، غضبًا لله عليه، لتكبره عن اتباع الحق، وصده عن سبيل الله ومعاندته وعتوه وتمرده، واستمراره على الباطل، ومكابرته الحق الواضح الجلي الحسي والمعنوي، والبرهان القطعي، فقال: {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ} يعني قومه من القبط، ومن كان على مقته ودان بدينه {زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ} أي وهذا يغتر به من يعظم أمر الدنيا، فيحسب الجاهل أنهم على شيء، ولكن هذه الأموال وهذه الزينة، من اللباس والمراكب الحسنة الهنية، والدور الأنيقة والقصور المبنية، والمآكل الشهية والمناظر البهية، والملك العزيز والتمكين، والجاه العريض في الدنيا لا الدين.
{رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} قال ابن عباس ومجاهد: أي أهلكها.
وقوله: {وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} قال ابن عباس: أي اطبع عليها، وهذه دعوة غضب لله تعالى ولدينه ولبراهينه. فاستجاب الله تعالى لها، وحققها وتقبلها، كما استجاب لنوح في قومه حيث قال: {وَقَال نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (٢٦) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ =

<<  <  ج: ص:  >  >>