ثم كتب سعد إلى عمر بما فتح الله على المسلمين، فكتب إليه عمر: أن قِفْ ولا تطلبوا غير ذلك، فكتب إليه سعد أيضًا: إنما هي سُرْبة أدركناها والأرض بين أيدينا، فكتب إليه عمر: أن قف مكانك ولا تُتبعهم، واتَّخذْ للمسلمين دار هجرة ومنزل جهاد، ولا تجعل بيني وبين المسلمين بحرًا. فنزل سعد بالناس الأنبار، فاجتوَوْها وأصابتهم بها الحُمَّى، فلم توافقهم، فكتب سعد إلى عمر يخبره بذلك، فكتب إلى سعد أنه لا تصلح العرب إلا حيث يصلح البعير والشاة في منابت العُشب؛ فانظر فلاةً في جنب البحر فارتَدْ للمسلمين بها منزلًا.
قال: فسار سعد حتى نزل كُوَيْفة عمرو بن سعد، فلم توافق النَّاس مع الذّباب والحمّى. فبعث سعد رجلًا من الأنصار يقال له: الحارث بن سلَمة -ويقال: بل عثمان بن حُنَيْف، أخا بني عمرو بن عوف- فارتاد لهم موضع الكوفة اليوم، فنزلها سعد بالنَّاس، وخطّ مسجدها، وخطّ فيها الخِطَطَ للنَّاس.
وقد كان عمر بن الخطاب خرج في تلك السنة إلى الشام، فنزل الجابِيَة، وفتحت عليه إيليَاء؛ مدينة بيت المقدِس، وبعث فيها أبو عبيدة بن الجراح حنظلةَ بن الطُّفيل السُّلَميّ إلى حِمْص، ففتحها الله على يديه، واستعمل سعد بن أبي وقّاص على المدائن رجلًا من كِنْدة، يقال له: شُرَحْبيل بن السِّمط؛ وهو الذي يقول فيه الشاعر:
ألا لَيْتَني والمَرْءَ سعدَ بن مالك ... ورَبْراءَ وابن السّمْطِ في لُجَّة البَحْرِ (١)
(٣: ٥٧٦/ ٥٧٧/ ٥٧٨/ ٥٧٩).
ذكر أحوال أهل السَّواد
٣٤٩ - كتب إليَّ السريُّ عن شعيب، عن سيف، عن عبد الملك بن عُمَيْر، عن قَبيصة بن جابر، قال: قال رجل منَّا يوم القادسيَّة مع الفتح:
نقاتل حتى أنزلَ الله نصرَهُ ... وسعدٌ ببابِ القادسيّة معصِمُ