وما أَرْجُو بَجيلةَ غَيْرَ أَنِّي ... أؤمِّلُ أَجْرَهمِ يوم الحِسَابِ
فقد لَقِيَتْ خُيُولُهُمُ خيولًا ... وقَد وَقَعَ الفَوارِسُ في ضرابِ
وقد دلَفَتْ بعَرْصتهم فيولٌ ... كأنّ زُهاءَها إبلٌ جِرابُ
ثم إنّ الفرس هربت من دير قُرّة إلى المدائن يريدون نهاوَنْد، واحتملوا معهم الذّهب، والفضة، والديباج، والفِرِنْد، والحرير، والسلاح، وثياب كسرى، وبناته، وخلّوا ما سوى ذلك، وأتبعهم سعد الطلبَ من المسلمين، فبعث خالد بن عُرْفُطة حليف بني أمية، ووجّه معه عياض بن غَنْم في أصحابه، وجعل على مقدّمة النَّاس هاشم بن عُتْبة بن أبي وقَّاص، وعلى ميمنتهم جرير بن عبد الله البَجَلي، وعلى ميسرتهم زُهرة بن حَوِيَّة التميميّ؛ وتخلَّف سعد لما به من الوَجَع؛ فلمَّا أفاق سعد من وجعه ذلك اتَّبع الناسَ بمن بِقيَ معه من المسلمين؛ حتى أدركهم دون دجلة على بَهُرَسِير، فلمَّا وضعوا على دجلة العسكر والأثقال طلبوا المخاضة، فلم يهتدوا لها؛ حتى أتى سعدًا عِلْج من أهل المدائن، فقال: أدُلُّكم على طريق تُدركونهم قبل أن يُمْعِنوا في السير! فخرج بهم على مخاضة بقَطْرَ بُّلَ، فكان أول مَن خاض المخاضة هاشم بن عُتبة في رَجْله، فلمَّا جاز اتَّبعته خيله، ثم أجاز خالد بن عُرْفُطة بخيله، ثم أجاز عياض بن غَنْم بخيله، ثم تتابع الناس فخاضوا حتى أجازوا؛ فزعموا أنه لم يُهْتَدَ لتلك المخاضة بعد. ثم ساروا حتى انتهَوْا إلى مُظْلِم سَاباط، فأشفق النَّاس أن يكون به كمين للعدّو، فتردّد الناس، وجبنوا عنه؛ فكان أول منْ دخله بجيشه هاشم بن عُتبة، فلمّا أجاز؛ ألاح للناس بسيفه، فعرَّف الناس أن ليس به شيء يخافونه، فأجاز بهم خالد بن عُرْفُطة، ثم لحق سعد بالناس؛ حتى انتهوا إلى جَلولاء وبها جماعة من الفرس، فكانت وقعة جلولاء بها، فهزم الله الفرس، وأصاب المسلمون بها من الفيء أفضلَ مما أصابوا بالقادسيَّة، وأصيبت ابنة لكسرى، يقال لها: منجانة؛ ويقال: بل ابنة ابنه. وقال شاعر من المسلمين:
يا رُبَّ مُهْر حَسنٍ مُطَهّمْ ... يَحْمِلُ أثقالَ الغُلامِ المُسْلِمْ
يَنْجُو إلى الرّحمن من جهنَّمْ ... يومَ جَلولاءَ ويوم رُسْتمْ