منه! فكفّ عبدُ الملك عن ذلك ونفسُه تُنازِعه إلى أن يَخلَعه.
ودخل عليه رَوْح بنُ زِنْباع الجُذاميّ - وكان أجلَّ الناسِ عندَ عبدِ الملك - فقال: يا أمير المؤمنين، لو خلعتَه ما انتطَح فيه عنْزان، فقال: ترَى ذلك يا أبا زرْعة؟ قال: إي واللهِ، وأنا أوّلُ من يُجيبُك إلى ذلك؛ فقال: نَصيحٌ إن شاء الله، قال: فبينا هو على ذلك وقد نامَ عبدُ الملك ورَوْح ابنُ زِنْباعٍ إذ دخل عليهما قَبيِصة بن ذُؤيب طروقًا، وكان عبدُ الملك قد تقدّم إلى حُجّابه فقال: لا يُحجب عني قبيصة أيّ ساعة جاءَ من ليل أو نهار، إذا كنت خاليًا أو عندي رجل واحد، وإن كنت عند النساء أدخِل المجلسَ وأعلِمتُ بمكانه فَدخَل وكان الخاتَمُ إليه، وكانت السكّة إليه، تأتيه الأخبارُ قبل عبدِ الملك، وتقرأ الكتبَ قبلَه، ويأتي بالكتاب إلى عبدِ الملك مَنْشورًا فيقرؤه، إعظامًا لقبيصة - فدخل عليه فسلم عليه، وقال: آجرَك اللهُ يا أميرَ المؤمنين في أخيك عبد العزيز! قال: وهل تُوفِّى؟ قال: نعم، فاسترجَع عبدُ الملك، ثمّ أقبَل على رَوْح فقال: كفانا الله أبا زُرْعة ما كنا نريد وما أجمَعْنا عليه، وكان ذلك مخالفًا لك يا أبا إسحاق، فقال قَبيصة: ما هو؟ فأخَبَره بما كان؛ فقال قبيصة: يا أمير المؤمنين، إنّ الرأي كله في الأنَاة، والعجلةُ فيها ما فيها، فقال عبدُ الملك: ربما كان في العَجَلة خيرٌ كثير، رأيتَ أمرَ عمرو بنِ سعيد، ألم تكن العَجَلة فيه خيرًا من التأنِّي! (٦/ ٤١٢ - ٤١٣).
* * *
[[خبر موت عبد العزيز بن مروان]]
وفي هذه السنة تُوفِّيَ عبدُ العزيز بنُ مروانَ بمصرَ في جُمادَى الأولى، فضمّ عبد الملك عَمَله إلى ابنه عبد الله بن عبد الملك، وولّاه مصرَ.
وأما المدائني فإنه قال في ذلك ما حدّثنا به أبو زَيد عنه، أنّ الحجّاج كَتَب إلى عبد الملك يزيّن له بيعةَ الوليد، وأوفَدَ وفدًا في ذلك عليهم عمران بن عصام العنَزَيّ، فقام عِمْران خطيبًا، فتكلّم وتكلّم الوَفْد وحثّوا عبدَ الملك، وسألوه ذلك، فقال عمران بنُ عِصام:
أميرَ المُؤْمنين إليك نُهدِي ... على النأْيِ التحيَّةَ والسلَاما
أجِبْني في بَنيكَ يكُنْ جوابي ... لهمْ عادِيّةً ولنا قِوَاما