وكان سببُ خروجه - فيما ذكرَ هشام، عن أبي مِخْنف، عن عبد الله بن علقمة، عن قَبيصة بن عبد الرّحمن الخَثْعميّ -: أنّ صالح بنَ مسرّح التميميَّ كان رجلًا ناسكًا مُخبِتًا مصفرّ الوجه، صاحب عبادة، وأنه كان بدَارا وأرض المَوْصل والجزيرة له أصحابٌ يُقرئهم القرآن ويفقِّههُم ويقصّ عليهم، فكان قبيصة بنُ عبد الرحمن حدّث أصحابنا أنّ قصص صالح بن مسرِّح عنده، وكان ممَّن يرى رأيَهم، فسألوه أن يبعث بالكتاب إليهم، ففعل.
وكان قصصه:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}. اللهمَّ إنَّا لا نَعدل بك، ولا نحْفِد إلا إليك، ولا نعَبدُ إلا إيَّاك، لك الخَلْق والأمر، ومنك النَّفع والضرّ، وإليك المصير، ونَشهد أنّ محمَّدًا عبدُك الَّذي اصطفيتَه، ورسولُك الذي اخْتَرْتَه وارتضيْتَه لتبليغ رسالاتك، ونصيحةِ عبادك، ونَشهدُ أنَّه قد بلَّغ الرسالة، ونَصَح للأمَّة، ودعا إلى الحقِّ، وقام بالقِسْط، ونصر الدّين، وجاهد المشركين، حتَّى توفَّاه الله - صلى الله عليه وسلم -، أوصيكم بتقوى الله والزّهدِ في الدنيا، والرّغبة في الآخرة، وكثرةِ ذكر الموت، وفراقِ الفاسقين، وحبِّ المؤمنين، فإنّ الزَّهادة في الدنيا تُرغِّب العبدَ فيما عند الله، وتُفرّغ بدنَه لطاعة الله، وإنّ كثرةَ ذِكر الموت يُخيف العبد من ربِّه حتى يَجأرَ إليه، ويستكين له، وإن فراق الفاسقين حق على المؤمنين، قال الله في كتابه:{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ}.
وإن حُبّ المؤمنين للسّبب الَّذي تُنال به كرامة الله ورحمته وجنّته، جعلنا الله وإيَّاكم من الصادقين الصابرين، ألا إنّ من نعمة الله على المؤمنين أنْ بعث فيهم رسولا من أنفسِهم فعلَّمهم الكتابَ والحكمة وزَكَّاهم وطَهّرهم ووفّقهم في دينهم، وكان بالمؤمنين رؤوفًا رحيمًا، حتَّى قبضه الله، صلواتُ الله عليه، ثمّ وليَ الأمر من بعدِه التقيّ الصدّيق على الرّضا من المسلمين، فاقتدى بِهديه، واستن بسُنّته، حتى لحِق بالله - رحمه الله - واستَخلف عمرَ، فولّاه الله أمر هذه الرعيّة، فعَمِل بكتاب الله، وأحيا سُنة رسولِ الله، ولم يُحنِقْ في الحقّ على