يبقَ معي شيء أتدهن به غير الطاس، فاصفَحْ عنه، فأرسل إليه: اشرب في قَرْعة، وابعث إليّ بالطاس، ففارقه.
قال: وكان على سَمَرْقند نصر بن سيار، وعلى خراجها عُميرة بن سعد الشيبانيّ، وهم محصورون، وكان عميرة ممّن قدم مع أشرس، وأقبل قُريش ابن أبي كهْمَس على فرس، فقال لقَطَن: قد نزل الأمير والناس؛ فلم يُفْقَد أحد من الجند غيرك، فمضى قطن والناس إلى العسكر، وكان بينهم ميل.
* * * *
[ذكر وقعة كمرجة]
قال: ويقال إنّ أشرس نزل قريبًا من مدينة بُخارى على قدْر فرسخ؛ وذلك المنزل يقال له المسجد، ثم تحول منه إلى مَرْج يقال له بوادرة، فأتاهم سبابة - أو شبابة - مولى قيس بن عبد الله الباهلى؛ وهم نزول بكَمَرْجة - وكانت كَمَرْجة من أشرف مدن خراسان وأعظمها أيام أشرس في ولايته - فقال لهم: إن خاقان مارٌّ بكم غدًا، فأرى لكم أن تُظهِروا عُدّتكم، فيرى جِدًّا واحتشادًا، فينقطع طمعه منكم. فقال له رجل منهم: استوثِقوا من هذا فإنه جاء ليَفتّ في أعضادكم، قالوا: لا نفعل، هذا مولانا، وقد عرفناه بالنصيحة، فلم يقبلوا منه، وفعلوا ما أمرهم به الموْلى، وصبّحهم خاقان، فلما حاذَى بهم ارتفع إلى طريق بُخارى كأنه يريدها، فتحدّر بجنوده من وراء تلّ بينهم وبينه، فنزلوا وتأهبوا وهم لا يشعرون بهِم، فلما كان ذلك ما فاجأهم أن طلعوا على التلّ، فإذا جبل حديد: أهل فرْغانة والطارَبنْد وأفشيِنة ونَسَف وطوائف من أهل بخارى. قال: فأسقط في أيدي القوم، فقال لهم كليب بن قَنان الذهليّ: هم يريدون مزاحفَتكم فسرّبُوا دوابكم المجفَّفة في طريق النهر، كأنكم تريدون أن تسقوها، فإذا جرّدتموها فخذوا طريق الباب، وتسرّبوا الأوّل فالأوّل؛ فلما رآهم الترك يتسربّون شدُّوا عليهم في مضايق، وكانوا هم أعلَم بالطريق من الترك، وسبقوهم إلى الباب فلحقوهم عنده، فقتلوا رجلًا كان يقال له المهلب، كان حاميتهم، وهو رجل من العرب، فقاتلوهم فغلبوهم على الباب الخارج من الخندق فدخلوه؛ فاقتتلوا، وجاء رجلٌ من العرب بحُزمةِ قصب قد أشعلها، فرمى بها