أولى، والابتداء به قبله أحَجى من البيان عن الزمان، ما هو؟ وكم قدْرُ جميعه؟ وابتداء أوَّله، وانتهاء آخره، وهل كان قبل خلق الله تعالى إيَّاه شيء غيره؟ وهل هو فَانٍ؟ وهل بعد فنائه شيء غيرُ وجه المسبَّح الخلَّاق تعالى ذكره؟ وما الذي كان قبل خلق الله إياه؟ وما هو كائن بعد فنائه وانقضائه؟ وكيف كان ابتداء خلق الله تعالى إياه؟ وكيف يكون فناؤه؟ والدلالة على أنْ لا قديم، إلا الله الواحد القهار الذي له مُلْك السموات والأرض وما بينهما وما تحت الثَّرى، بوجيزٍ من الدلالة غير طويل إذ لم نقصد بكتابنا هذا قصد الاحتجاج لذلك، بل لما ذكرنا من تاريخ الملوك الماضين، وجملًا من أخبارهم وأزمان الرسل والأنبياء ومقادير أعمارهم، وأيام الخلفاء والسالفين، وبعض سيرهم ومبالغ ولاياتهم، والكائن الذي كان من الأحداث في أعصارهم، ثم أنا متبعٌ آخر ذلك كله، إن شاء الله، وأيدٍ منه بعون وقوة، ذكر صحابة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وأسمائهم وكُناهم، ومبالغ أنسابهم، ومبالغ أعمارهم، ووقت وفاة كل إنسان منهم والموضع الذي كانت به وفاته، ثم متبعهم ذكرَ من كان بعدَهم من التابعين لهم بإحسان على نحو ما شرطنا من ذكرهم، ثم ملحق بهم من ذكر من كان بعدهم من الخلف لهم كذلك، وزائد في أمورهم للإِبانة عمن حُمِدَت منهم روايتهُ، ونُقلت أخباره، ومن رُفِضَت منهم روايته، ونُبذت أخباره، ومن وَهَن منهم نقلُه، وضَعُفَ خبره، والسبب الذي من أجله نُبِذ منهم خبرُه، والعلة التي من أجلها وَهَن من وَهَن منهم نقله، وإلى الله عزَّ وجلَّ أنا راغب في العون على ما أقصده وأنويه، والتوفيق لما ألتمسه وأبغيه، فإنه ولي الحول والقوة، وصلى الله على محمد نبيه، وآله وسلم تسليمًا" (١).
ثم ذكر الطبري رحمه الله تعالى منهجه في الكتاب، كما سنوضحه فيما بعد إن شاء الله تعالى.
(ثالثًا): محتويات "تاريخ الأمم والملوك".
يعتبر "تاريخ الطبري" ذروة التأليف التاريخي عند المسلمين في القرون الثلاثة الأولى، وهو أوثق مصدر للتاريخ الإِسلامي، ويحتل هذا التاريخ مكانة ممتازة