فحارب أبو بكر المرتدّة جميعًا بالرسل والكتب، كما كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حاربهم؛ إلى أن رجع أسامة بن زيد من الشَّأم، وحزْر ذلك ثلاثة أشهر، إلّا ما كان من أهل ذي حُمى وذي القَصّة. ثم كان أوّل مصادم عند رجوع أسامة هم. فخرَج إلى الأبرَق فلم يصمُد لقوم فيفلّهم إلا استنفر مَنْ لم يرتدّ منهم إلى آخرين، فيفلّ بطائفة من المهاجرين والأنصار والمستنفرة ممن لم يرتدّ إلى الّتي تليهم؛ حتى فَرَغ من آخر أمور النّاس، ولا يستعين بالمرتدّين.
فكان أوّل مَنْ كتب إليه عتَّاب بن أسِيد، كتب إليه بركوب من ارتدّ من أهلِ عمله بمَن ثبت على الإسلام، وعثمان بن أبي العاص بركوب من ارتدّ من أهل عَمَلِه بمن ثبتَ على الإسلام، فأما عتَّاب فإنَّه بعث خالد بن أسيد إلى أهل تهامة، وقد تجمَّعت بها جُمَّاعٌ من مُدْلج، وتأشَّب إليهم شُذّاذٌ من خُزَاعة وأفْنَاء كنانة، عليهم جُندَب بن سُلْمَى، أحد بني شَنوق، من بني مُدْلج، ولم يكن في عملِ عتَّاب جمعٌ غيره، فالتقوا بالأبارق، ففرّقهم وقَتلهم، واستحرَّ القتل في بني شَنُوق، فما زالوا أذلّاء قليلًا، وبرئت عمالة عتَّاب، وأفلت جندب، فقال جندب في ذلك:
شهدتُ بأنَّ اللهَ لا شيءَ غيرُه ... بني مُدْلج فاللهُ رَبِّي وجارُها
وبعث عثمان بن أبي العاص بعثًا إلى شَنوءة، وقد تجمَّعت بها جُمَّاع من الأزْد، وبَجيلة، وخَثْعَم؛ عليهم حُمَيْضة بن النُّعمان، وعلى أهل الطائف عثمان بن ربيعة، فالتقوْا بشنوءة، فهزموا تلك الجُمَّاعَ، وتفرّقوا عن حُمَيضة وهرب حُمَيضة في البلاد، فقال في ذلك عثمان بن ربيعة:
فضضنا جَمْعهم والنَقْعُ كابٍ ... وقد تُعْدِي على الغَدْرِ الفُتُوقُ
وَأَبْرَقَ بارقٌ لمَّا التقينا ... فعادت خُلَّبًا تلك البروقُ (١)
(٣: ٣١٨/ ٣٢٠/٣١٩).
خبر الأخابِث من عكّ
٨٨ - قال أبو جعفر: وكان أول منتقض بعد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بتهامة عكّ