للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[اشتداد إيذاء المشركين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعوته]

قال أبو جعفر: ولما خرج مَنْ خرجَ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أرضِ الحبَشة مهاجرًا إليها، ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مقيم بمكة، يدعُو إلى الله سرًّا وجهرًا، قد منَعه الله بعمّه أبي طالب وبمَن استجاب لنُصرته من عشيرته، ورأت قريش أنّهم لا سبيلَ لهم إليه، رموْه بالسحْر والكَهانة والجنون؛ وأنه شاعر، وجعلوا يصدّون عنه مَنْ خافوا منه أن يسمع قوله فيتَّبعه؛ فكان أشدّ ما بلغوا منه حينئذ - فيما ذكر. (٢: ٣٣٠/ ٣٣١ / ٣٣٢).

٣١ - ما حدَّثنا ابن حميد، قال: حدَّثنا سلمة، قال: حدّثني محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عُروة بن الزبير، عن أبيه عُرْوة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قلتُ له: ما أكثر ما رأيتَ قريشًا أصابت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما كانت تُظهر من عداوته! قال: قد حضرتُهم وقد اجتمع أشّرافهم يومًا في الحِجْر، فذكروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ما رأينا مثلَ ما صبرنا عليه من هذا الرجل قَطّ! سَفّه أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرَّق جماعتنا، وسبّ آلهتنا! لقد صبرْنا منه على أمر عظيم، أو كما قالوا.

فبينا هُمْ كذلك إذْ طلَع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقبل يمشي حتى استلم الركن، ثم مرّ بهم طائفًا بالبيت، فلما مرّ بهم غمزُوه ببعض القول. قال: فعرفت ذلك في وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم مضى، فلمَّا مرَّ بهم الثانية غمزوه مثلها؛ فعرَفت ذلك في وجهه، ثم مضَى، ثم مرّ بهم الثالثة، فغمزوه بمثلها، فوقف فقال: أتسمعون يا معشرَ قريش! أما والذي نفسُ محمدٍ بيده، لقد جئتكم بالذبح! قال: فأخذت القومَ كلمته؟ حتى ما منهم رجلٌ إلا كأنما على رأسه طائر واقع؛ وحتى إنَّ أشدّهم فيه وصاةً قبل ذلك ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول، حتى إنه ليقول: انصرف يا أبا القاسم راشدًا، فوالله ما كنتَ جهُولًا!


= ١٦ - أخرج النسائي في التفسير (١/ ٤٤٣ / ح ١٦٨) أن عمرو بن علي بن مقدِّم قال: سمعت هشام بن عروة يحدث عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال: نزلت هذه الآية في النجاشي وأصحابه {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} وإسناده صحيح وإن كان فيه عمر بن علي بن عطاء (مدلس) ولكنه صرّح بالتحديث هنا والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>