ذكر هشام، عن أبي مخنف، عن أبي زهير العَبْسيّ، قال: خرج الحجّاج بن يوسفَ من الكوفة بعدما قدمها، وقتل ابن ضابئ من فوره ذلك حتّى قدم البصرة، فقام فيها بخُطْبة مِثل التي قام بها في أهْل الكوفة، وتوعدهم مِثْل وعيده إياهم، فأتِيَ برجل من بني يَشْكرَ فقيل: هذا عاصٍ، فقال: إنَّ بي فتْقًا، وقد رآه بِشر فعذَرَني، وهذا عطائي مَرْدود في بيت المال، فلم يقبل منه وقتله، ففزع لذلك أهل البَصْرة، فخرجوا حتى تداكؤوا، على العارض بقَنْطرة رامَهُرْمز، فقال المهلب: جاء الناسَ رجلٌ ذكَر.
وخرج الحجّاج حتى نزل رُسْتقْباذَ في أوّل شعبان سنة خمس وسبعين فثارَ الناسُ بالحجاج، عليهم عبد الله بن الجارود، فقتل عبد الله بن الجارود، وبعث بثمانية عشر رأسًا فنُصبتْ بِرامَهُرمُز للناس، فاشتدّت ظهورُ المسلمين، وساء ذلك الخوارج، وقد كانوا رَجوْا أن يكونَ من الناس فُرقة واختلاف، فانصرَف الحَجاج إلى البَصْرة.
وكان سبب أمر عبد الله بن الجارود أنّ الحجاج لما ندب الناسَ إلى اللحاق بالمهلب بالبصرة فشخصوا سار الحجاج حتى نزل رستقْباذ قريبًا من دَسْتَوَى في آخر شعبانَ ومعه وجوهُ أهل البصرة، وكان بينه وبين المهلّب ثمانيةَ عشرَ فَرْسَخًا، فقام في الناس، فقال: إنّ الزيادة التي زادكم ابنُ الزبير في أعطِياتكم زيادة فاسِق منافق، ولستُ أجيزُها، فقام إليه عبدُ الله بن الجارود العَبْديّ فقال: إنها ليست بزيادة فاسق منافق، ولكنها زيادة أمير المؤمنين عبد الملك قد أثبَتها لنا. فكذَّبه وتوعّده، فخرج ابنُ الجارود على الحَجّاج وتابَعَه وجوهُ الناس، فاقتتَلوا قتالًا شديدًا، فقتل ابن الجارود وجماعة من أصحابه، وبعث برأسه ورؤوس عشرة من أصحابه إلى المهلب، وانصرَفَ إلى البَصْرة، وكتَب إلى المهلب وإلى عبد الرحمن بن مخنف: أما بعد، إذا أتاكم كتابي هذا فناهِضوا