الدّرَقة، ولم آخذ لها ثمنًا إلى هذه الغاية، فقذَف أمّي ولم يعطني حقي، فخذ لي بحقي من مالِي وقَذْفِه أمي، فقال: لك بيّنة؟ قال: نعم، جماعة حضروا كلامه؛ فأحضرهم فأشهدهم على دعواه، فقال هرئمة: وجب عليك الحدّ، قال: ولمَ؟ قال: لقذفِك أمّ هذا، قال: مَنْ فَقّهك وعلّمك هذا؟ قال: هذا دِين المسلمين، قال: فأشهد أن أمير المؤمنين قد قذَفك غير مرّة ولا مرتين؛ وأشهد أنك قد قذفت بنِيك ما لا أحصِي، مرةً حاتمًا ومرة أعين؛ فمن يأخذ لهؤلاء بحدودهم منك؟ ومن يأخذ لك من مولاك! فالتفت هرثمة إلى صاحب الدّرَقة، فقال: أرى لك أن تطالب هذا الشيطان بَدرَقتك أو ثمنها، وتترك مطالبته بقذفه أمّك.
* * *
[كتاب هرثمة إلى الرشيد في أمر عليّ بن عيسى]
ولما حمل هرثمة عليًّا إلى الرّشيد، كتب إليه كتابًا يخبره ما صنع؛ نسخته:
بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد؛ فإن الله عزَّ وجلَّ لم يزل يبلي أمير المؤمنين في كلّ ما قلده من خلافته، واسترعاه من أمور عباده وبلاده أجملَ البلاء وأكملَه، ويعرّفه في كلّ ما حضره ونأى عنه من خاصّ أموره وعامّها، ولطيفها وجليلها أتمّ الكفاية وأحسن الولاية، ويعطيه في ذلك كلِّه أفضل الأمنيَّة، ويبلغه فيه أقصى غاية الهمة، امتنانًا منه عليه، وحفظًا لَما جعل إليه، مما تكفّل بإعزازه وإعزاز أوليائه وأهل حقه وطاعته؛ فيستتم الله أحسن ما عوّده وعوّدنا من الكفاية في كلّ ما يؤدّينا إليه، ونسأله توفيقنا لما نقضي به المفترَض من حقِّه في الوقوف عند أمره، والاقتصار على رأيه.
ولم أزل أعزّ الله أمير المؤمنين، مذ فصَلت عن معسكر أمير المؤمنين ممتثلًا ما أمرني به فيما أنهضني له؟ لا أجاوز ذلك ولا أتعدّاه إلى غيره، ولا أتعرّف اليُمْن والبركة إلا في امتثاله؛ إلى أن حللتُ أوائل خُراسان؛ صائنًا للأمر الذي أمرني أمير المؤمنين بصيانته وستِره؛ لا أفضي ذلك إلى خاصتي ولا إلى عامتي، ودبّرتُ في مكاتبة أهل الشاش وفرْغَانة وخزْلهما عن الخائن، وقطع طمعه وطمع مَنْ قِبَله عنهما، ومكاتبة مَنْ ببلْخ بما كنتِ كتبت به إلى أمير المؤمنين وفسّرت له، فلما نزلت نيسابور عملتُ في أمر الكُور التي اجتزت عليها بتولية مَنْ ولّيت