والحيات والبوم؛ وقد ناديناك من كَثب، وأسمعناك إن كنت حيًّا، فإن تجب تُفلح، وإن تأب إلَّا غيًّا نخزك به، وعمّا قليل لتصبحُنّ نادمين.
* * *
[[وقوع الفتنة بين الأتراك والمغاربة]]
وفي أوّل يَوْم من رجب من هذه السنة كانت بين المغاربة والأتراك ملحَمة؛ وذلك أنّ المغاربة اجتمعت فيه مع محمد بن راشد ونصر بن سعيد؛ فغلبوا الأتراك على الجوْسَق، وأخرجوهم منه، وقالوا لهم: في كلّ يوم تقتلون خليفة، وتخلعون آخر، وتقتلون وزيرًا! وكانوا قد وثبوا على عيسى بن فرّخانشاه؛ فتناولوه بالضَّرْب، وأخذوا دوابّه، ولما أخرجت المغاربة الأتراكَ من الجوْسق، وغلبوهم على بيت المال، أخذوا خمسين دابة مما كان الأتراك يركبونها؛ فاجتمع الأتراك، وأرسلوا إلى مَنْ بالكرخ والدّور منهم، فتلاقوا هم والمغاربة، فقتِل من المغاربة رجلٌ، فأخذت المغاربة قاتله، وأعانت المغاربة الغوْغاء والشاكريّة، فضعف الأتراك، وانقادوا للمغاربة، فأصلح جعفر بن عبد الواحد بين الفريقين، فاصطلحوا على ألا يُحْدِثوا شيئًا، ويكون في كلّ موضع يكون فيه رجل من قِبَل أحد الفريقين يكون فيه آخر من الفريق الآخر؛ فمكثوا على ذلك مُدَيدة.
وبلغ الأتراكَ اجتماعُ المغاربة إلى محمد بن راشد ونصر بن سعيد، واجتمع الأتراك إلى بايكباك، فقالوا: نطلب هذين الرأسين؛ فإن ظفرنا بهما فلا أحد ينطق؛ وكان محمد بن راشد ونصر بن سعيد قد اجتمعا في صدر اليوم الذي عَزَم الأتراك فيه على الوثوب بهما، ثم انصرفا إلى منازلهما، فبلغهما أن بايكباك قد صار إلى منزل ابن راشد، فعدل محمد بن راشد ونصر بن سعيد إلى منزل محمد بن عزّون ليكونا عنده حتى يسكن الأتراك، ثم يرجعا إلى جمعهما، فغمز إلى بايكباك رجلٌ، ودله عليهما، وقيل إن ابن عزّون هو الذي دسّ من دلّ بايكباك والأتراك عليهما؛ فأخذهما الأتراك فقتلوهما؛ فبلغ ذلك المعتزّ، فأراد قتل ابن عزون، فكلِّم فيه فنفاه إلى بغداد.