يحيى بن مُعاذ في مسجد دمشق، فقال في خطبته بعد دعائه لأمير المؤمنين: اللهمّ وأصلح الأميرَ أخا المؤمنين والخليفة من بعد أمير المؤمنين أبا إسحاق بن أمير المؤمنين الرشيد.
* * *
[ذكر الخبر عن وفاة المأمون]
وفي هذه السنة توفّيَ المأمون.
[ذكر الخبر عن سبب المرض الذي كانت فيه وفاته]
ذُكر عن سعيد العلّاف القارئ، قال: أرسل المأمون وهو ببلاد الرّوم - وكان دخلها من طَرسُوس يوم الأربعاء لثلاث عشرة بقيت من جمادى الآخرة - فحُملتُ إليه وهو في البَدندون؛ فكان يستقرئني، فدعاني يومًا، فجئتُ فوجدته جالسًا على شاطئ البدندون؛ وأبو إسحاق المعتصم جالس عن يمينه، فأمرني فجلست نحوه منه؛ فإذا هو وأبو إسحاق مدلِّيان أرجلهما في ماء البدندون، فقال: يا سعيد، دَلّ رجليْك في هذا الماء وذقه؛ فهل رأيت ماء قطّ أشد بردًا، ولا أعذب ولا أصفى صفاء منه! ففعلت وقلت: يا أميرَ المؤمنين، ما رأيت مثل هذا قطّ، قال: أيّ شيء يطيب أن يؤكل ويشرب هذا الماء عليه؟ فقلت: أمير المؤمنين أعلم، فقال: رُطَب الآزاذ؛ فبينا هو يقول هذا إذا سمع وقع لُجم البريد فالتفتَ، فنظر فإذا بغالٌ من بغال البريد، على أعجازها حقائب فيها الألطاف، فقال لخادم له: اذهب فانظر: هل في هذه الألطاف رُطَب؟ فانظره، فإن كان آزاذ فأت به؛ فجاء يسعى بسلّتين فيهما رطب آزاذ، كأنما جُنِي من النخل تلك الساعة؛ فأظهر شكرًا لله تعالى؛ وكثر تعجُّبُنا منه، فقال: ادن فكل، فأكل هو وأبو إسحاق، وأكلت معهما، وشربْنا جميعًا من ذلك الماء؛ فما قام منا أحد إلا وهو محمومٌ؛ فكانت منيّة المأمون من تلك العلّة؛ ولم يزل المعتصم عليلًا حتى دخل العراق، ولم أزل عليلا حتى كان قريبًا.
ولما اشتدّت بالمأمون علّته بعت إلى ابنه العباس، وهو يظنّ أن لن يأتيّه، فأتاه وهو شديد المرض متغيّر العقل، قد نُفّذت الكتب بما نُفذت له في أمر