خرج بخالد بن الوليد من فحْل إلى حمْص، وانصرف بمن أضيف إليهم من اليَرموك؛ فنزلوا جميعًا على ذي الكَلاع، وقد بلغ الخبر هرقلَ، فبعث توذَرا البطريق حتى نزل بمرْج دمشق وغربها، فبدأ أبو عبيدة بمرْج الروم وجمعهم هذا، وقد هجم الشتاء عليهم والجِراحُ فيهم فاشية، فلمّا نزل على القوم بمرْج الرّوم نازله يوم نزل عليه شنس الروميّ، في مثل خيل توذرا؛ إمدادًا لتوذرا وردءًا لأهل حمص؛ فنزل في عسكر على حِدَة، فلمّا كان من الليل؛ أصبحت الأرض من توذرا بلاقعَ، وكان خالد بإزائه وأبو عبيدة بإزاء شنس، وأتى خالدًا الخبر: أنّ توذرا قد رَحل إلى دمشق، فأجمع رأيه ورأي أبي عبيدة أن يُتبعه خالد، فأتبعه خالد من ليلته في جريدة؛ وقد بلغ يزيد بن أبي سفيان الذي فعل، فاستقبله فاقتتلوا، ولحق بهم خالد وهم يقتتلون؛ فأخذهم من خلفهم، فقتلوا من بين أيديهم ومن خلفهم؛ فأناموهم ولم يفلتْ منهم إلّا الشريد؛ فأصاب المسلمون ما شاؤوا من ظَهْرٍ وأداة وثياب، وقسم ذلك يزيد بن أبي سفيان على أصحابه وأصحاب خالد، ثم انصرف يزيد إلى دمشق، وانصرف خالد إلى أبي عبيدة، وقد قتل خالد توذرا، وقال خالد:
نحن قَتْلنا توذَرا وشوذرا ... وقَبْلَه ما قد قَتلْنا حَيْدَرا
نحن أزرْنا الغَيْضةَ الأُكَيْدِرا
وقد ناهد أبو عبيدة بعد خروج خالد في أثر توذرا شنس، فاقتتلوا بمرْج الرّوم، فقتلهم مقتلة عظيمة، وقتل أبو عبيدة شنس، وامتلأ المرْج من قتلاهم؛ فأنتنت منهم الأرض، وهرب من هرب منهم، فلم يفلتهم، وركبوا أكساءهم إلى حِمْص (١). (٣: ٥٩٩/ ٥٩٨).
ذكر فتح حمْص
٣٨٠ - وعن أبي الزّهراء القُشَيْريّ، عن رجل من قومه، قال: كان أهل حِمْص يتواصوْن فيما بينهم، ويقولون: تمسَّكوا فإنّهم حُفاة، فإذا أصابهم البرد
(١) ذكر الطبري هذه الوقعة بلا إسناد، ولم نجد رواية تأريخية مسندة صحيحة تؤيد ما ذكره الطبري، ولذلك ذكرنا هذه الوقعة مع الروايات التي جاءت بأسانيد ضعيفة وسكتنا عنها لأننا لم نجد لها متابعات ولا شواهد والله تعالى أعلم.