للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= الحكومات في عصرنا هذا (الديمقراطية والسلام والمدنية كما يقولون) نقول: إن الحكومات سواء كانت شرعية أم لا لا تتوانى عن سحق معارضيها ولا تتلكأ لحظة واحدة في إبادتهم عن بكرة أبيهم، وما إبادة الملابين في الاتحاد السوفييتي عنا ببعيد، وما مجازر دكتاتور تشيلي عنا ببعيد، وما مجزرة الجيش الصيني في ساحة الحرية عنا ببعيد عندما داست الدبابات مئات الطلاب العزل، وما مجازر الصرب عنا ببعيد، وما المجازر التي تقوم بها الأقليات القبلية الحاكمة في أفريقية وغيرها ضد المعارضة ببعيد، فهل سمعنا أحدًا من هؤلاء أمر أتباعه بان لا يجهزوا على جريح ولا يطلبون موليًا ولا يسلبون قتيلًا، وأي دستور وضعي يقول: إذا رجعت الفئة الباغية إلى السمع والطاعة فهي معِ غيرها إخوة، والإمام علي كان يعمل بقول الله تعالى في حكم الطائفة الباغية: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} وقوله تعالى: {فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَينَهُمَا بِالْعَدْلِ} وقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَينَ أَخَوَيكُمْ}.
٨ - وأما عن عدد القتلى في وقعة صفين فقد بالغت الروايات الضعيفة والمنكرة في عددها مبالغة كبيرة كما بالغت في عدد القتلى في وقعة الجمل، ولم ترد غير رواية صحيحة واحدة تتحدث عن القتلى من الصحابة الذين كانوا في جيش علي رضي الله عنه، وقد ذكرناها آنفًا من حديث عبد الرحمن بن أبزى قال: شهدنا مع علي ثمانمئة ممن بايع بيعة الرضوان قتل منا ثلاثة وستون منهم عمار بن ياسر (تأريخ خليفة / ١٩٦) وإسناده حسن، أما سوى ذلك فلم نجد رواية صحيحة فيها، والله أعلم.

ما صحّ في مسألة التحكيم
أما تحاكم كل من علي ومعاوية رضي الله عنهما إلى كتاب الله، ورضاهم بذلك؛ فصحيح، وأما رفع المصاحف على رؤوس الرماح؛ فلا يصح.
٩ - فقد أخرج البخاري في صحيحه (كتاب التفسير ٦/ ٤٥) عن حبيب بن أبي ثابت قال: أتيت أبا وائل أسأله فقال: كنا بصفين. فقال (يعني رسول معاوية): {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ} فقال علي: نعم.
وأخرج ابن أبي شيبة (١٥/ ٣١٨) وأحمد في المسند (٢٣/ ١٤٥ / بترتيب الساعاتي) عن حبيب بن أبي ثابت قال: أتيت أبا وائل في مسجد أهله وفيه: (قال: كنا بصفين فلما استحر القتل بأهل الشام اعتصموا بتلٍّ فقال عمرو بن العاص لمعاوية: أرسل إلى علي بمصحف وادعه إلى كتاب الله فإنه لن يأبى عليك فجاء به رجل فقال: بيننا وبينكم كتاب الله {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَينَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ} فقال علي: نعم وأنا أولى بذلك بيننا وبينكم كتاب الله) وإسناده حسن صحيح. وكيف لا يقبل سيدنا علي بتحكيم كتاب الله ووقف القتاله وهو الحريص على حقن دماء المسلمين؛ ولذلك =

<<  <  ج: ص:  >  >>