عُقْبة، قالوا: فلمّا اجتمَع المسلمون بالفراض؛ حميَت الرّوم، واغتاظت، واستعانوا بِمَن يليهم من مَسالح أهلِ فارس، وقد حَمُوا واغتاظوا واستمدُّوا تَغْلب، وإياد، والنَّمِر؛ فأمدُّوهم؛ ثم ناهدوا خالدًا؛ حتى إذا صار الفرات بينهم، قالوا: إما أن تعبرُوا إلينا، وإمّا أن نعبُر إليكم. قال خالد: بلِ اعبروا إلينا، قالوا: فتنحَّوْا حتى نعبُر؛ فقال خالد: لا نفعل؛ ولكن اعبُروا أسفل منّا. وذلك للنّصْف من ذي القَعدة سنة اثنتي عشرة. فقالت الرّوم وفارس بعضُهم لبعض: احتسبوا ملككم؛ هذا رجل يقاتل على دين، وله عقل وعلم، ووالله ليُنْصَرَنّ ولَنُخْذلَنَّ. ثم لم ينتفعوا بذلك؛ فعبروا أسفلَ من خالد؛ فلما تتامُّوا قالت الروم: امتازوا حتى نعرِف اليوم ما كان من حَسَنٍ أو قبيح؛ من أيِّنا يجيء! ففعلوا، فاقتتلوا قتالًا شديدًا طويلًا. ثم إنّ الله عزّ وجلّ هزمهم، وقال خالد للمسلمين: ألحُّوا عليهم، ولا تُرَفّهوا عنهم؛ فجعل صاحب الخيل يحشر منهم الزّمْرة برماح أصحابه، فإذا جمعوهم قتلوهم، فقتل يوم الفِراض في المعركة وفي الطلب مئة ألف، وأقام خالد على الفِراض بعد الوقعة عشرًا، ثم أذن في القفل إلى الحيرة لخمس بقين من ذي القَعدة؛ وأمر عاصم بن عمرو أن يسير بهم؛ وأمر شَجرة بن الأعزّ أن يسوقهم. وأظهر خالد: أنه في السّاقة (١). (٣: ٣٨٣).
حجّة خالد
قال أبو جعفر: وخرج خالدٌ حاجًّا من الفِراض لخمس بقين من ذي القعدة، مكتتمًا بحجّه، ومعه عدّةٌ من أصحابه؛ يعتسف البلاد حتى أتى مكَّة بالسَّمْت، فتأتَّى له من ذلك ما لم يتأتَّ لدليل، ولا رئبال، فسار طريقًا من طُرق أهل الجزيرة، لم يُرَ طريقٌ أعجبُ منه؛ ولا أشدّ على صعوبته منه، فكانت غيبته عن الجند يسيرة: فما تَوَافَى إلى الحيرة آخرهم حتى وافاهم مع صاحب السَّاقة الَّذي وضعه. فقدما معًا؛ وخالد وأصحابه محلِّقون؛ لم يعلَم بحجِّه إلا مَنْ أفضى إليه بذلك من السَّاقة، ولم يعلم أبو بكر رحمه الله بذلك إلّا بعد؛ فعتب عليه. وكانت عقوبته إيَّاه أن صرَفه إلى الشأم. وكان مسيرُ خالد من الفِراض أن استعرض البلاد
(١) إسناده ضعيف، وقد ذكره ابن الجوزي في المنتظم بلا إسناد (٤/ ١١٠).