للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما قدم عليه بَلَخَ قال له: أين الرّهُن؟ قال: قبضتُ ما عليهم وخلَّيتهُم، قال: ألم أكتبْ إليك ألَّا تخلّيَهم! قال: أتاني كتابُك وقد خليتُهم، وقد كُفيتُ ما خفتَ؛ قال: كذبتَ، ولكنك تقرّبت إليهم وإلى مَلكِهم فأطلعتَه على كتابي إليك، وأمَرَ بتجريده، فجَزِع من التجريد حتى ظنّ المهلبُ أن به برصًا، فجرّده وضَرَبه ثلاثين سَوْطًا، فقال حُرَيث: وَدِدتُ أنَّه ضربني ثلاثمئة سَوْط ولم يجرّدني، أنَفًا واستِحياء من التجريد، وحلف ليَقتلنّ المهلّب.

فرَكِب المهلب يومًا ورَكِب حُرَيث، فأمر غلامين له وهو يَسيرُ خلفَ المهلّب أن يضرباه، فأبى أحدُهما وتَرَكه وانصرف، ولم يجترئ الآخر لمّا صار وحده أن يُقدمَ عليه، فلما رجع قال لغلامه: ما منعك منه؟ قال: الإشفاق والله عليك، وواللهِ ما جزعتُ على نفسي، وعلمتُ أنا إنْ قتلناه أنك ستُقتَل ونقتَل، ولكن كان نظري لك، ولو كنت أعلم أنك تسلم مِنْ القَتل لقتلتُه.

قال: فترك حُرَيث إتيانَ المهلّب، وأظهر أنَّه وَجِعٌ، وبلغ المهلّب أنَّه تمارَض وأنه يريد الفتك به، فقال المهلب لثابت بن قطبة: جئني بأخيك، فإنما هو كبعض ولدي عِندْي، وما كان ما كان منّي إليه إلَّا نظرًا له وأدبًا، ولربما ضربتُ بعضَ ولدي أؤدِّبه، فأتى ثابت أخاه فناشَدَه، وسأله أن يركَبَ إلى المهلب، فأبى وخافَه، وقال: واللهِ لا أجيئُه بعدما صَنَع بي ما صَنَع، ولا آمنُه ولا يأمنُني، فلما رأى ذلك أخوه ثابت قال له: أما إنْ كان هذا رأيُك فأخرج بنا إلى موسى بن عبد الله بن خازم، وخاف ثابت أن يَفتِك حريثٌ بالمهلّب فيُقتلون جميعًا؛ فخرجا في ثلاثمئة من شاكريّتهما والمنقطِعين إليهما من العرب (١). (٦/ ٣٥٢ - ٣٥٣).

[خبر وفاة المهلب بن أبي صفرة]

قال أبو جعفر: وفي هذه السنة توفي المهلب بن أبي صفرة.

* ذكر الخبر عن سبب موته ومكان وفاته:

قال عليّ بن محمَّد: حدّثني المفضّل، قال: مضى المهلب منصرَفَهُ من كِسّ


(١) انظر التعليقة السابقة على الرواية التي مرت آنفًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>