وفيها أسِر يحيى بن محمد البحرانيّ صاحب قائد الزّنج، وفيها قُتِل.
* ذكر الخبر عن أسره وقتله وكيف كان ذلك:
ذكِر عن محمد بن سمعان الكاتب أنه قال: لمّا وافَى يحيى بن محمد نهر العباس، لقيه بفُوّهة النهر ثلثمئة وسبعون فارسًا من أصحاب أصغجون العامل - كان عامل الأهواز في ذلك الوقت، كانوا مرتّبين في تلك الناحية - فلما بصر بهم يحيى استقلّهم، ورأى كثرة مَنْ معه من الجمع مما لا خوف عليه معهم، فلقيتهم أصحابه غير مستجنّين بشيء يردّ عنهم عاديتهم، ورشقتهم أصحابُ أصغجون بالسهام، فأكثروا الجراح فيهم، فلمّا رأى ذلك يحيى عبّر إليهم عشرون ومئة فارس كانت معه، وضمّ إليهم من الرّجال جمعًا كثيرًا، وانحاز أصحاب أصغجون عنهم، وولج البحرانيّ ومَنْ معه نهر العباس؛ وذلك وقت قلّة الماء في النهر، وسفنُ القَيْروانات جانحة على الطين.
فلما أبصر أصحابُ تلك السفن بالزَّنج تركوا سفنَهم، وحازها الزَّنج، وغنموا ما كان فيها غنائم عظيمة جليلة، ومضوْا بها متوجّهين نحو البطيحة المعروفة ببطيحة الصحناة، وتركوا الطريق النّهج، وذلك للتحاسد الذي كان بين البحرانيّ وعليّ بن أبي المهلبيّ، وإن أصحاب يحيى أشاروا عليه ألا يسلك الطريق الذي يمرّ فيها بعسكر عليّ، فأصغى إلى مشورتهم، فشرعوا له الطريق المؤدي إلى البطيحة التي ذكرنا، فسلكها حتى ولج البطيحة، وسرّح الخيل التي كانت معه، وجعل معها أبا الليث الأصبهانيّ، وأمره بالمصير بها إلى عسكر قائد الزَّنج، وكان الخبيث وجّه إلى يحيى البحرانيّ يعلمه ورودَ الجيش الذي ورد عليه، ويأمره بالتحرّز في منصرفه من أن يلقاه أحدٌ منهم، فوجّه البحرانيّ الطلائع إلى دِجْلة فانصرفت طلائعه وجيش أبي أحمد منصرف من الأبُلّة إلى نهر أبي الأسد، وكان السبب في رجوع الجيش إلى نهر أبي الأسد: أنّ رافع بن بِسطام وغيره من مجاوري نهر العباس وبطيحة الصّحْناة كتبوا إلى أبي أحمد