للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= فقال: "لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت". وفي رواية: "لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية -أو قال بكفر- لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله، ولجعلت بابها بالأرض، ولأدخلت فيها الحجر". صحيح البخاري / ح (٤٤٨٤) وح (١٥٨٦).
وقد بناها ابن الزبير رحمه الله في أيامه على ما أشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حسبما أخبرته به خالته عائشة، أم المؤمنين عنه، فلما قتله الحجاج في سنة ثلاثةٍ وسبعين كتب إلى عبد الملك بن مروان الخليفة إذ ذاك، فاعتقدوا أن ابن الزبير إنما صنع ذلك من تلقاء نفسه. فأمر بردها إلى ما كانت عليه، فنقضوا الحائط الشامي وأخرجوا منها الحجر، ثم سدوا الحائط وردموا الأحجار في جوف الكعبة، فارتفع بابها الشرقي، وسدوا الغربي بالكلية، كما هو مشاهد إلى اليوم. ثم لما بلغهم أن ابن الزبير إنما فعل هذا لما أخبرته عائشة أم المؤمنين ندموا على ما فعلوا، وتأسفوا أن لو كانوا تركوه وما تولى من ذلك. ثم لما كان في زمن المهدي بن المنصور استشار الإمام مالك بن أنس في ردها على الصفة التي بناها ابن الزبير فقال له: إني أخشى أن يتخذها الملوك لعبة. يعني كلما جاء ملك بناها على الصفة التي يريد. فاستقر الأمر على ما هي عليه اليوم.

[ثناء الله على خليله إبراهيم]:
قال الله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَال إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَال وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَال لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} لما وفى ما أمره به ربه من التكاليف العظيمة، جعله للناس إمامًا يقتدون به ويأتمون بهديه. وسأل الله أن تكون هذه الإمامة متصلة بسببه، وباقية في نسبه، وخالدة في عقبه فأجيب إلى ما سأل ورام وسلمت إليه الإمامة بزمام، واستثنى من نيلها الظالمون. واختص بها من ذريته العلماء العاملون، كما قال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَينَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}، وقال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَينَا وَنُوحًا هَدَينَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالمِينَ (٨٦) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَينَاهُمْ وَهَدَينَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
فالضمير في قوله: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ} عائد على إبراهيم على المشهور، ولوط وإن كان ابن أخيه إلا أنه دخل في الذرية تغليبًا، وهذا هو الحامل للقائل الآخر أن الضمير على نوح كما قدمنا في قصته .. والله أعلم.
وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} الآية. فكل كتاب أنزل من السماء على نبي من الأنبياء بعد إبراهيم الخليل، فمن ذريته وشيعته، وهذه خلعة سنية لا تضاهى، ومرتبة عليّة لا تباهى. وذلك أنه ولد له لصلبه ولدان ذكران عظيمان: إسماعيل من هاجر، ثم إسحاق من سارة، ووُلِدَ له يعقوب -وهو إسرائيل- الذي ينتسب =

<<  <  ج: ص:  >  >>