للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وبالبيت حق البيت من بطن مكة ... وبالله إن الله ليس بغافل
وبالحجر المسود إذ يمسحونه ... إذا اكتنفوه بالضحى والأصائل
وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة ... على قدميه حافيًا غير ناعل
يعني أن رجله الكريمة غاصت في الصخرة فصارت على قدر قدمه حافية لا منتعلة. ولهذا قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيتِ وَإِسْمَاعِيلُ} أي في حال قولهما: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} فهما في غاية الإخلاص والطاعة لله عزَّ وجلَّ، وهما يسألان من الله عز وجل السميع العيم أن يتقبل منهما ما هما فيه من الطاعة العظيمة والسعي المشكور: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَينِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَينَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: ١٢٨].
والمقصود أن الخليل بنى أشرف المساجد في أشرف البقاع، في واد غير ذي زرع، ودعا لأهلها بالبركة، وأن يرزقوا من الثمرات، مع قلة المياه وعدم الأشجار والزروع والثمار، وأن يجعله حرمًا مُحرمًا وآمنًا مُحتمًا.
فاستجاب الله -وله الحمد- له مسألته، ولبى دعوته، وأتاه طلبته، فقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}، وقال تعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا}. وسأل الله أن يبعث فيهم رسولًا منهم، أي من جنسهم، وعلى لغتهم الفصيحة البليغة النصيحة، لتتم عليهم النعمتان: الدنيوية والدينية، سعادة الأولى والآخرة.
وقد استجاب الله له فبعث فيهم رسولًا وأي رسول! ختم به أنبياءه ورسله، وأكمل له من الدين ما لم يؤت أحد قبله، وعم بدعوته أهل الأرض على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وصفاتهم، في سائر الأقطار والأمصار والأعصار إلى يوم القيامة، وكان هذا من خصائصه من بين سائر الأنبياء، لشرفه في نفسه وكمال شفقته على أمته، ولطفه ورحمته، وكريم محتده وعظيم مولده، وطيب مصدره ومورده.
ولهذا استحق إبراهيم الخليل - عليه السلام - إذ كان باني الكعبة لأهل الأرض، أن يكون منصبه ومحله وموضعه في منازل السموات ورفيع الدرجات عند البيت المعمور، الذي هو كعبة أهل السماء السابعة، المبارك المبرور، الذي يدخله كل يوم سبعون ألفًا من الملائكة يتعبدون فيه، ثم لا يعودون إلى يوم البعث والنشور.
وقد ذكرنا في التفسير من سورة البقرة صفة بنائه للبيت، وما ورد في ذلك من الأخبار والآثار بما فيه كفاية، فمن أراد فليراجعه ثمَّ ... ولله الحمد.
وفي الصحيحين من حديث مالك، عن ابن شهاب، عن سالم: أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر أخبر، عن ابن عمر، عن عائشة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألم تَرَ أن قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟ فقلت: يا رسول الله .. ألا تردها على قواعد إبراهيم؟ =

<<  <  ج: ص:  >  >>