للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(رابعًا): الطَّبريُّ يدرس التاريخ:

رأينا سابقًا أن الطبري جمع من علوم الإسلام ما لم يجتمع لأحد، وكان له حافظة نادرة، وذكاءٌ حادٌّ، وأنه من كبار علماء الحديث الذين ينقلون الأحاديث والأخبار والأسانيد، ويجمعون الروايات المتعدّدة في الموضوع الواحد، مما كان له صلة بكتب الروايات والتاريخ للأمم الأخرى، واستفاد منها في تفسيره للقرآن الكريم، وأورد جانبًا منها في كتايه الذي أملاه في ثماني سنوات (٢٨٣ هـ - ٢٩٠ هـ)، ولما فرغ منه اتجه إلى تصنيف كتابه الثاني في التاريخ حتى انتهى منه يوم الأربعاء ٢٧ ربيع الآخر عام (٣٠٣ هـ) وأرَّخ حتى سنة ٣٠٢ هـ الموافق ٩١٥ م (١).

وكان الطبري رحمه الله تعالى قد اطَّلع على جميع كتب التاريخ وأجزائه وصُحُفه في القرن الثالث الهجري، كما درس بتوسع كتب السيرة النبوية وما صُنِّف فيها، وأخذ علم التاريخ عن المختصِّين به، وهم شيوخ الطبري في ذلك، وعنهم أخذ مصادره والموادَّ الأولية لكتابه.

ولما أراد الطبري أن يبدأ في كتابه التاريخ قال لتلاميذه: "تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا هذا؟ فقالوا: كم قدره؟ فذكر نحو ما ذكره في التفسير (أي ثلاثون ألف ورقة)، فأجابوا: هذا ما يُفْني الأعمار قبل تمامه، فقال الطبري: إنا لله، ماتت الهمم، فاختصره في نحو مما اختصر به التفسير" (أي في نحو ثلاثة آلاف ورقة) (٢).

* * *


= ص ١٨٢، وانظر أصول علم التاريخ في كتاب، المختصر في علم التاريخ" للكايجي، ص ٣٣٧ وما بعدها.
(١) انظر: معجم الأدباء ١٨/ ٤٤، الفهرست ص ٣٢٧.
(٢) تذكرة الحفاظ ٢/ ٧١٢، تاريخ بغداد ٢/ ١٦٣، معجم الأدباء ١٨/ ٤٢، سير أعلام النبلاء ١٤/ ٢٧٥، ظهر الإسلام ٢/ ٢٠٤، وفي قول آخر اختصره إلى ألف ورقة، وفي قول ثالث أنه خمسة آلاف ورقة، ويمكن الجمع بين هذه الأقوال بسهولة، وذلك بحسب النسخ التي كتبت، وحجم الورق الذي استخدم في كل نسخة.

<<  <  ج: ص:  >  >>