للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= عَلَينَا} أي أن هدانا لهذا، {وَعَلَى النَّاسِ} أي بأن أمرنا أن ندعوهم إليه ونرشدهم وندلهم عليه وهو في فطرهم مركوز، وفي جبلتهم مغروز {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ}.
ثم دعاهم إلى التوحيد وذم عبادة ما سوى الله عزَّ وجلَّ، وصغّر أمر الأوثان وحقرها، وضعف أمرها فقال: {يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (٣٩) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إلا أَسْمَاءً سَمَّيتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إلا لِلَّهِ} أي المتصرف في خلقه الفعال لما يريد، الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء {أَلَّا تَعْبُدُوا إلا إِيَّاهُ} أي وحده لا شريك له و {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} أي المستقيم والصراط القويم {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} أي فهم لا يهتدون إليه مع وضوحه وظهوره.
وكانت دعوته لهما في هذه الحال في غاية الكمال، لأن نفوسهما معظمة له، منبعثة على تلقي ما يقول بالقبول، فناسب أن يدعوهما إلى ما هو الأنفع لهما مما سألا عنه وطلبا منه. ثم لما قام بما وجب عليه وأرشد إلى ما أرشد إليه قال: {يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} أي وقع هذا لا محالة، ووجب كونه على كل حالة.
وقد روي عن ابن مسعود ومجاهد وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنهما قالا: لم نر شيئًا، فقال لهما: {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ}. {وَقَال لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ}. يخبر تعالى أن يوسف قال للذي ظنه ناجيًا منهما وهو الساقي: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} يعني اذكر أمري وما أنا فيه من السجن بغير جرم عند الملك. وفي هذا دليل على جواز السعي في الأسباب، ولا ينافي ذلك التوكل على رب الأرباب.
{فَأَنْسَاهُ الشَّيطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} أي فأَنسى الناجي منهما الشيطان أن يذكر ما وصاه به يوسف - عليه السلام -. قال مجاهد ومحمد بن إسحاق وغير واحد: وهو الصواب، وهو منصوص أهل الكتاب.
{فَلَبِثَ} يوسف {فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} والبضع: ما بين الثلاث إلى التسع، ومن قال إن الضمير في قوله: {فَأَنْسَاهُ الشَّيطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} عائد على يوسف فقد ضعف ما قاله، وإن كان قد روي عن ابن عباس وعكرمة. والحديث الذي رواه ابن جرير في هذا الموضع ضعيف من كل وجه، تفرد بإسناده إبراهيم بن يزيد الخوزي المكي وهو متروك. ومرسل الحسن وقتادة لا يقبل، ولا هاهنا بطريق الأولى والأحرى .. والله أعلم.

[خروج يوسف من السجن]:
{وَقَال الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (٤٣) قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْويلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (٤٤) وَقَال الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْويلِهِ فَأَرْسِلُونِ (٤٥) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا =

<<  <  ج: ص:  >  >>