رَوَى أحمدُ بنُ زهير، عن عليّ بن محمَّد، عن عليّ بن مجاهد، أنّ عُبيدَ الله بن الحُرّ كان رجلًا من خِيار قومِه صَلاحًا وفضلًا، وصلاةً واجتهادًا، فلمَّا قُتل عثمانُ وهاجَ الهيْجُ بين عليّ ومعاوية، قال: أما إن الله ليعلم أني أحبّ عثمانَ، ولأنصُرنَّه ميِّتًا، فخرج إلى الشام، فكان مع معاوية، وخرج مالكُ بنُ مِسمَع إلى معاوية على مثل ذلك الرأي في العثمانيَّة، فأقام عُبيدُ الله عندَ معاوية، وشَهِد معه صِفّين، ولم يزل معه حتَّى قُتل عليّ عليه السلام، فلمّا قُتِل عليّ قَدِم الكوفةَ فأتى إخوانَه ومن قد خَفّ في الفتْنة، فقال لهم: يا هؤلاء، ما أرَى أحدًا ينفَعه اعتزالُه، كنَّا بالشام، فكان من أمر معاوية كَيْتَ وكَيْت، فقال له القوم: وكان من أمر عليّ كَيْت وكَيْت، فقال: يا هؤلاء، إنْ تُمكِننا الأشياء فاخلعوا عُذرَكم، واملِكوا أمرَكم، قالوا: سنلتقِي، فكانوا يلتقون على ذلك.
فلما مات معاوية هاج ذلك الهيْج في فتنة ابن الزبير، قال: ما أرى قريشًا تنصِف، أين أبناءُ الحَرائر! فأتاه خَلِيعُ كلّ قبيلة، فكان معه سبعمئة فارس، فقالوا: مُرنا بأمرِك، فلمَّا هَرَب عبيدُ الله بنُ زياد ومات يَزيدُ بنُ معاوية، قال عُبيدُ الله بن الحرّ لِفتْيانه: قد بيَّن الصّبْحُ لِذي عَيْنَيْن، فإذا شئتم! فخرج إلى المَدائن فلم يَدع مالًا قُدّم من الجَبَل للسّلطان إلّا أخذه، فأخَذ منه عطاءَه وأعطية أصحابِه، ثم قال: إنّ لكم شركاءَ بالكوفة في هذا المال قد استوجَبُوه، ولكن تعجّلوا عطاءَ قابل سَلفًا، ثم كتب لصاحِب المال براءةً بما قبض من المال، ثمّ جعل يتقصَّى الكُوَر على مِثل ذلك، قال. قلت: فهل كان يتناول أموال الناس والتّجار؟ قال لي: إنَّك لغيرُ عالِم بأبي الأشْرس، والله ما كان في الأرض عَرَبيٌّ أغْيَر عَنْ حُرَّة ولا أكفَّ عن قبيح وعن شَراب منه، ولكن إنَّما وضعه عند الناس شِعْرُه، وهو من أشعر الفِتيان، فلم يَزَل على ذلك من الأمر حتَّى ظهر المُختار، وبَلَغه ما يَصنَع بالسَّواد، فأمر بامرأته أمّ سَلمة الجُعفِيّة فحُبست، وقال: والله لأقتُلنَّه أو لأقتلنّ أصحابه، فلمَّا بلغ ذلك عُبيدَ الله بنَ الحُرّ أقبلَ في فِتْيانه حتَّى دخل الكوفة لَيْلًا، فكَسَرَ بابَ السجن، وأخرَج امرأته وكلَّ امرأة ورجل كان