للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= أحب ألا يخرج حتى يتبين لكل أحد أنه حبس ظلمًا وعدوانًا، وأنه بريء الساحة مما نسبوه إليه بهتانًا. {قَال ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} يعني الملك {فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيدِهِنَّ عَلِيمٌ} قيل معناه: إن سيدي العزيز يعلم براءتي مما نسب إليَّ، أي فمر الملك فليسألهن: كيف كان امتناعي الشديد عند مراودتهن إياي؟ وحثهن لي على الأمر الذي ليس برشيد ولا سديد؟ .
فلما سئلن عن ذلك اعترفن بما وقع من الأمر، وما كان منه من الأمر الحميد {قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيهِ مِنْ سُوءٍ}. فعند ذلك {قَالتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ} وهي زليخا {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} أي: ظهر وتبين ووضح، والحق أحق أن يتبع {أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} أي فيما يقوله، ومن أنه بريء، وأنه لم يراودني، وأنه حُبس ظلمًا وعدوانًا، وزورًا وبهتانًا.
وقوله: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيدَ الْخَائِنِينَ} قيل: إنه من كلام يوسف، أي إنما طلبت تحقيق هذا ليعلم العزيز أني لم أخنه بظهر الغيب. وقيل: إنه من تمام كلام زليخا، أي: إنما اعترفتُ بهذا ليعلم زوجي أني لم أخنه في نفس الأمر، وإنما كان مراودة لم يقع معها فعل فاحشة.
وهذا القول هو الذي نصره طائفة من أئمةِ المتأخرين وغيرهم. ولم يحك ابن جرير وابن أبي حاتم سوى الأول. {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} قيل: إنه من كلام يوسف. وقيل: من كلام زليخا وهو مفرع على القولين الأولين وكونه من تمام كلام زليخا أظهر وأنسب وأقوى، والله أعلم.

[تولي يوسف وزارة المالية]:
{وَقَال الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَال إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَينَا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤) قَال اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يوسف: ٥٤ - ٥٧].
لما ظهر للملك براءة عرضه، ونزاهة ساحته عما كانوا أظهروا عنه مما نسبوه إليه {وَقَال الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} أي أجعله من خاصتي، ومن أكابر دولتي، ومن أعيان حاشيتي، فلما كلمه وسمع مقاله وتبين حاله {قَال إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَينَا مَكِينٌ أَمِينٌ} أي ذو مكانة وأمانة.
{قَال اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} طلب أن يوليه النظر فيما يتعلق بالأهرام لما يتوقع من حصول الخلل فيما بعد مضي سبع سني الخصب، لينظر فيها بما يرضي الله في خلقه، من الاحتياط لهم والرفق بهم، وأخبر الملك أنه حفيظ، أي قوي على حفظ ما لديه أمين عليه، عليم بضبط الأشياء ومصالح الأهرام. وفي هذا دليل على جواز طلب الولاية لمن علم من نفسه الأمانة والكفاءة. =

<<  <  ج: ص:  >  >>