أما بعد: فإن كان الله قتلَ الحجّاجَ بن جارية فبُعْدًا له، فذاك ما أهوَى وأحِبّ؛ وإن كان حيًّا فاطلبه قبَلك حتى توُثِقَه، ثمّ سَرِّح به إليّ إن شاء الله، والسلام.
قال: فقال لنا: قد كُتِب إليّ فيه، ولابدّ من السمع والطاعة، ولو لم يُكتَب إليّ فيه آمنته لكم، وكففتُ عنه فلم أطلبْه، وقمنا من عنده.
قال: فلم يزل الحجّاج بن جارية خائفًا حتى عُزل عديّ بن وتَّاد، وقدم خالد بن عتّاب بن وَرْقاء، فمشيتُ إليه فيه، فكلَّمته فآمنه، وقال حبيب بن خِدُرْةَ مولى لبنى هلال بنِ عامر:
هل أتى فائدَ عن أيسارِنا ... إذ خَشينَا مِنْ عَدُوٍّ خرُقَا
إذ أَتانا الخَوْفُ من مأْمَنِنا ... فطَوينا في سَوادٍ أُفُقَا
وسَلِي هَدْيَة يَوْمًا هل رأَتْ ... بشَرًا أكرَمَ منَّا خُلُقا!
وسَليها أعَلَى العهدِ لنا ... أو يُصِرُّونَ علينا حَنَقَا
ولكَمْ من خُلَّة من قَبلِها ... قدْ صَرَمْنَا حَبلَها فانطلَقَا
قَدْ أَصَبْنَا العَيْشَ عَيْشًا ناعمًا ... وأَصَبْنَا الْعَيْشَ عَيْشًا رَنَقَا
وأصَبْتُ الدَّهْرَ دهرًا أَشْتَهِي ... طبَقًا منه وألوي طبَقَا
وشَهِدتُ الخيل في مَلْمُومَةٍ ... ما ترى منهنَّ إلا الحدَقَا
يتَسَاقَوْنَ بأَطرافِ القَنَا ... من نَجيعِ الموت كأْسًا دَهقا
فطِرادُ الخيلِ قد يُؤْنِقُني ... ويردّ اللهْوُ عني الأَنَقا
بمُشيح البَيْض حتَّى يَتركوا ... لسُيوفِ الهِنْد فيها طُرُقَا
فكأَنِّي من غدٍ وافقتها ... مثل ما وافَقَ شَنٌّ طَبَقَا (١)
(٦/ ٢٩٩ - ٣٠٠).
* * *
[ذكر الخبر عن وقوع الخلاف بين الأزارقة]
قال أبو جعفر: وفي هذه السنة وقع الاختلاف بين الأزارقة أصحاب قَطَريّ بن
(١) في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك.