الفُجَاءَة فخَالفه بعضهم واعتزلَه وبايع عبد رَبّه الكبير، وأقام بعضُهم على بيعة قطريّ.
* ذكر الخبر عن ذلك، وعن السبب الذي من أجله حدث الاختلاف بينهم حتى صار أمرهم إلى الهلاك:
ذكر هشامٌ عن أبي مِخنَف، عن يوسف بن يزيد، أنّ المهلّب أقام بسابورَ فقاتَلَ قَطَريًّا وأصحابه من الأزارقة بعدما صرف الحجّاج عتابَ بن وَرْقاء عن عسكره نحوًا من سنة، ثمّ إنه زاحَفَهم يوم البُسْتان فقاتَلَهم قتالًا شديدًا، وكانت كِرْمان في أيدي الخوارج، وفارس في يد المهلّب، فكان قد ضاق عليهم مكانُهم الذي هم به، لا يأتيهم من فارس مادّة، وبَعُدَتْ ديارهم عنهم، فخرجوا حتى أتوا كرمانَ وتبعهم المهلب حتى نزل بجيرفْتَ - وجيرفْتُ مدينة كرمان - فقاتلَهم بها أكثر من سنة قتالًا شديدًا، وحازهم عن فارسَ كلها، فلما صارت فارسُ كلُّها في يدي المهلب بعث الحجّاج عليها عمّالَه وأخذها من المهلّب، فبلغ ذلك عبد الملك، فكتب إلى الحجّاج:
أما بعد، فدَعْ بِيَد المهلَّب خراجَ جبالِ فارسَ، فإنه لابد للجيش من قوّة ولصاحب الجيش من معونة، ودعْ له كُورَة فَسَا وَدرَابجرْدَ. وكورة إصْطَخْر.
فتركَها للمهلّب، فبعث المهلَّب عليها عمّالَه، فكانت له قوّةً على عدوّه وما يصلحه، ففي ذلك يقول شاعرُ الأزْد وهو يعاتِب المهلب:
نقاتِلُ عن قُصورِ دَرَابَجِرد ... ونَجْبِي للمغُيرَةِ والرُّقَادِ
وكان الرُّقاد بنُ زياد بن همّام - رجل من العتِيك - كريمًا على المهلَّب، وبعث الحجاج إلى المهلب البراءَ بنَ قبيصة، وكتب إلى المهلب:
أما بعد، فإنك والله لو شئت فيما أرى لقد اصطلمتَ هذه الخارجة المارقةَ، ولكنّك تحبّ طول بقائهم لتأكل الأرَض حولك، وقد بعثتُ إليك البراء بن قبيصة لينُهِضك إليهم، فانهض إليهم إذا قَدِم عليك بجميع المسلمين، ثمّ جاهدهم أشدّ الجهاد، وإيّاك والعِللَ والأباطيلَ، والأمورَ التي ليست لك عندي بسائغة ولا جائزة؛ والسلام.