١٦٠ - وعن أبي عثمان وجارية، قالا: وبعث أبو عبيدة بعد فتح حِمْص خالدَ بن الوليد إلى قِنَّسْرين، فلمّا نزل بالحاضر زحف إليهم الرّوم، وعليهم مِيناس، وهو رأس الرّوم وأعظمُهم فيهم بعد هرَقل، فالتقوْا بالحاضر، فقتِل مِيناس ومَن معه مقتلةً لم يُقتَلوا مثلها، فأما الرّوم فماتوا على دمه حتى لم يبق منهم أحد، وأمّا أهل الحاضر فأرسلوا إلى خالد أنهم عرب، وأنّهم إنما حُشروا ولم يكن من رأيهم حربُه، فقبل منهم وتركهم. ولمّا بلغ عمَر ذلك قال: أمّر خالد نفسَه؛ يرحم الله أبا بكر؛ هو كان أعلمَ بالرّجال منِّي، وقد كان عزله والمثنَّى مع قيامه، وقال: إنّي لم أعزلهما عن ريبة؛ ولكن الناس عظّموهما، فخشيت أن يوكّلوا إليهما. فلمّا كان من أمره وأمر قِنَّسرين ما كان، رجع عن رأيه. وسار خالد حتى نزل قِنّسرين، فتحصّنوا منه، فقال: إنكم لو كنتم في السحاب لحمَلنا الله إليكم أو لأنزلكم الله إلينا. قال: فنظروا في أمرهم، وذكروا ما لقيَ أهلُ حمص؛ فصالحوه على صُلْح حمص، فأبى إلَّا على إخراب المدينة فأخربها، واتّطأت حمْص وقنّسرين؛ فعند ذلك خَنس هرَقل؛ وإنّما كان سبب خنوسه أنّ خالدًا حين قتل مِيناس ومات الرّوم على دمه، وعقد لأهل الحاضر وترك قِنَّسرين، طلع من قبَل الكوفة عمر بن مالك من قبل قَرْقيسيَا، وعبد الله بن المُعتمّ من قِبَل الموْصل، والوليد بن عقبة من بلاد بني تغلب وعرب الجزيرة، وطووا مدائن الجزيرة من نحو هرَقل، وأهل الجزيرة في حرّان والرّقة ونَصِيبين وذواتَها لم يُغرِضوا غرضهم؛ حتى يرجعوا إليهم؛ إلَّا أنهم خلّفوا في الجزيرة الوليدَ لئلّا يؤتَوْا من خلفهم؛ فأدرب خالد وعياض ممّا يلي الشأم، وأدرب عمر وعبد الله مما يلِي الجزيرة؛ ولم يكونوا أدربوا قبله؛ ثم رجعوا، فهي أوّل مُدرِبة كانت في الإسلام سنة ست عشرة. فرجع خالد إلى قِنّسرين فنزلها، وأتته امرأته، فلمّا عزله قال: إنّ عمر ولّاني الشأم حتى إذا صارت بثنيّةً وعَسَلًا عَزلني.
قال أبو جعفر الطبريّ: ثم خرج هِرقل نحو القسطنطينية، فاختُلِف في حين شخوصه إليها وتركه بلاد الشأم، فقال ابن إسحاق: كان ذلك سنة خمس عشرة؛