للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سيرةً أشبه بسيرة كِسرَى أنوشِرْوان من سِيرة هذا العربيّ في اللين، والمُداراة، والعلم بما يأتي.

قال: ولما قدِم زياد فارسَ؛ بعث إلى رؤسائها، فوعد مَن نَصرَه ومنّاه، وخوّفَ قومًا وتوعَّدهم، وضرب بعضَهم ببعض، ودلّ بعضَهم على عورةِ بعض، وهربتْ طائفة, وأقامت طائفة، فقتل بعضُهم بعضًا، وصفتْ له فارس، فلم يَلْقَ فيها جمعًا ولا حَرْبًا، وفعل مثلَ ذلك بكَرْمان، ثم رجع إلى فارسَ، فسار في كُوَرها ومنّاهم، فسَكنَ الناسُ إلى ذلك، فاستقامت له البلاد، وأتى إصْطَخْرَ فنزلها، وحصّن قلعةً بها ما بين بيضاء إِصْطَخْر وإصْطَخْر، فكانت تسمَّى قلعةَ زياد، فحمل إليها الأموال، ثم تحصّن فيها بعد ذلك منصور اليشكريّ، فهي اليومَ تُسمَّى قلعةَ منصور (١). (٥: ١٣٧/ ١٣٨).

[ثم دخلت سنة أربعين ذكر ما كان فيها من الأحداث]

١٢٠٣ - فمما كان فيها من ذلك توجيه معاوية بُسر بن أبي أرطاة في ثلاثة آلاف من المقاتلة إلى الحجاز.

فذُكر عن زياد بن عبد الله البَكَّاليّ عن عَوانة، قال: أرسل معاويةُ بنُ أبي سفيان بعد تحكيم الحَكَمين بُسرَ بنَ أبي أرطاة - وهو رجلٌ من بني عامر بن لؤيّ في جيش - فساروا من الشأم حتى قدموا المدينة، وعاملُ عليّ على المدينة يومئذ أبو أيوبَ الأنصاريّ، ففرّ منهم أبو أيوب، فأتى عليًّا بالكوفة، ودخل بُسر المدينة؛ قال: فصعِد مِنبرَها ولم يقاتلْه بها أحد، فنادى على المنبر: يا دينار، ويا نجّار، ويا زُريق، شَيْخي شَيْخي! عهدي به بالأمس، فأين هو! يعني عثمانَ، ثمّ قال: يا أهل المدينة! واللهِ لولا ما عهد إليّ معاويةُ ما تركتُ بها محتلِمًا إلّا قتلته! ثم بايَعَ أهل المدينة، وأرسل إلى بني سلِمة، فقال: والله ما لكم عندي من أمان ولا مبايَعة حتى تأتوني بجابر بنِ عبد الله، فانطلق جابر إلى أمّ سَلمة زوج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقال لها: ماذا تَرَيْن؟ إنّي قد خشيتُ أن أقتل، وهذه بَيْعة ضلالة، قالت: أرى أن تبايعَ، فإنّي قد أمرت ابني عمر بن أبي سَلَمة أن يبايع،


(١) في إسناده مجهولان.

<<  <  ج: ص:  >  >>