ذُكر عن هارون بن أبي عبيد الله، قال: كان المهديّ إذا جلس للمظالم، قال: أدخِلوا عليّ القضاة، فلو لم يكن ردِّي للمظالم إلَّا للحياء منهم لَكفى.
وذكر الحسن بن أبي سعيد، قال: حدّثني عليّ بن صالح، قال: جلس المهديّ ذات يوم يعطي جوائز تقسم بحضرته في خاصّته من أهل بيته والقوّاد، وكان يُقرأ عليه الأسماء، فيأمر بالزيادة، العشرة الآلاف والعشرين الألف، وما أشبه ذلك، فعُرِض عليه بعض القوّاد، فقال: يُحَطّ هذا خمسمائة، قال: لم حططتَنِي يا أمير المؤمنين؟ قال: لأني وجّهتُك إلى عدوٍّ لنا فانهزمت. قال: كان يسرّك أن أقتل؟ قال: لا، قال: فوالذي أكرمك بما أكرمك به من الخلافة لو ثَبَت لقتِلت، فاستحيا المهديّ منه، وقال: زده خمسة آلاف.
قال الحسن: وحدّثني عليّ بن صالح، قال: غضب المهديّ على بعض القوّاد - وكان عَتَب عليه غير مرَّة - فقال له: إلى متى تذنب إليّ وأعفو؟ قال: إلى أبدٍ نسيء، ويبقيك الله فتعفو عنا، فكررها عليه مرات، فاستحيا منه ورضي عنه.
وذكر محمَّد بن عمر، عن حفص مولى مُزينة، عن أبيه، قال: كان هشام الكلبيّ صديقًا لي، فكنّا نتلاقى فنتحدث ونتناشد، فكنت أراه في حالٍ رثّة وفي أخلاق على بغلة هزيل، والضُّر فيه بيِّن وعلى بغلته، فما راعني إلّا وقد لقيني يومًا على بغلة شقراءَ من بغال الخلافة، وسَرْج ولجام من سروج الخلافة ولُجُمها، في ثياب جِياد ورائحة طيِّبة، فأظهرتُ السرور، ثم قلت له: أرى نعمة ظاهرةً، قال لي: نعم، أخبرك عنها، فاكتم، فبينما أنا في منزلي منذ أيَّام بين الظهر والعصر، إذ أتاني رسول المهديّ فسرت إليه، ودخلت عليه وهو جالس خالٍ ليس عنده أحد، وبين يديه كتاب، فقال: ادنُ يا هشام، فدنوتُ فجلست بين يديه، فقال: خذ هذا الكتاب فاقرأه. ولا يمنعك ما فيه مما تستفظعه أن تقرأه. قال: فنظرت في الكتاب، فلما قرأت بعضَه استفظعتُه، فألقيته من يدي، ولعنت كاتبه، فقال لي: قد قلت لك: إن استفظعتَه فلا تُلقِه، اقرأه بحقي عليك