فذُكر أن الموالي والقُوّاد لما تُوفِّي المهديّ اجتمعوا إلى ابنه هارون، وقالوا له: إن عَلِمَ الجند بوفاة المهديّ لم تأمن الشّغب، والرّأي أن يُحمل، وتُنادِي في الجند بالقَفل حتى تواريَه ببغداد. فقال هارون: ادعوا إلي أبي يحيى بن خالد البرمكيّ - وكان المهديّ ولّى هارونَ المغرب كلَّه، من الأنبار إلى إفريقية، وأمر يحيى بن خالد أن يتولّى ذلك فكانت إليه أعماله ودواوينه يقوم بها ويخلُفه على ما يتولى منها إلى أن تُوُفِّيَ - قال: فصار يحيى بن خالد إلى هارون، فقال له: يا أبتِ، ما تقول فيما يقول عمر بن بزيع ونُصير والمفضّل؟ قال: وما قالوا؟ فأخبره، قال: ما أرى ذلك، قال: ولمَ؟ قال: لأن هذا ما لا يخفى، ولا آمن إذا علم الجند أن يتعلّقوا بمحمله، ويقولوا: لا نُخلِّيه حتى نعطَى لثلاث سنين وأكثر، ويتحكّموا ويشتطُّوا، ولكن أرى أن يُوارىَ رحمه الله هاهنا، وتوجِّهُ نُصيرًا إلى أمير المؤمنين الهادي بالخاتم والقضيب والتهنئة والتعزية، فإنّ البريد إلى نُصير، فلا يُنكِر خروجه أحدٌ إذْ كان على بريد الناحية، وأن تأمر لمن معك من الجند بجوائز، مائتين مائتين، وتنادي فيهم بالقُفول، فإنهم إذا قبضوا الدّراهم لم يكن لهم همّه سوى أهاليهم وأوطانهم، ولا عَرْجة على شيء دون بغداد. قال: نفعل ذلك. وقال الجند لما قبضوا الدراهم: بغداد بغداد! يتبادرون إليها، ويبعثون على الخروج من ماسَبَذان، فلما وافوْا بغداد، وعلموا خبر الخليفة، ساروا إلى باب الرّبيع فأحرقوه، وطالبوا بالأرزاق، وضجُّوا. وقدم هارون بغداد، فبعثت الخيزران إلى الرّبيع وإلى يحيى بن خالد تشاورهما في ذلك، فأما الرّبيع فدخل عليها، وأما يحيى فلم يفعل ذلك لعلمه بشدّة غَيْرة موسى.
قال: وجُمِعت الأموال حتى أُعْطِيَ الجند لسنتين، فسكتوا، وبلغ الخبر الهادي، فكتب إلى الرّبيع كتابًا يتوعَّده فيه بالقتل، وكتب إلى يحيى بن خالد