للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السفن إلى البَصْرة، ودخل الحجاج عسكرَه فانتهب ما فيه، وجعل يَقتُل من وجد حتى قَتل أربعةَ آلاف؛ فيقال: إنّ فيمن قُتِل عبد الله بن شدّاد بن الهاد، وقتل فيهم بِسْطام بن مَصْقَلة بن هُبيرة، وعمر بن ضُبيْعة الرّقاشيّ، وبشر بن المنذر بن الجارود والحَكم بن مخرَمة العبديَّيْن، وبُكَير بن ربيعة بن ثَرْوان الضّبيّ؛ فأتِي الحجاج برؤوسهم على تُرْس، فجعل يَنظُر إلى رأس بِسطامَ ويتمثّل:

إذا مَررْتَ بوادِي حَيَّةٍ ذَكَرٍ ... فاذهبْ ودَعْني أقاسي حيةَ الوادِي

ثم نظر إلى رأس بُكَير، فقال: ما ألقى هذا الشقيّ مع هؤلاء، خُذْ بأذنه يا غلام فألقِه عنهم، ثمّ قال: ضَعْ هذا الترس بين يديْ مسمَع بن مالك بن مِسمَع، فوُضع بين يديه، فبكى، فقال له الحجّاج: ما أبكاك؟ أحزنًا عليهم؟ قال: بل جَزعًا لهم من النار. (٦/ ٣٨٢ - ٣٨٣).

* * *

[ذكر خبر بناء مدينة واسط]

وفي هذه السنة: بنى الحجاج واسطًا، وكان سبب بنائه ذلك - فيما ذكر - أنّ الحجاج ضرب البَعْث على أهل الكُوفة إلى خُراسان، فعسكروا بحمّام عُمر، وكان فتىً من أهل الكوفة من بني أسَد حديثُ عهد بعُرس بابنة عمّ له، انصرف من العسكر إلى ابنة عمِّه لَيْلًا، فطرق البابَ طارق ودقّه دقًّا شديدًا، فإذا سكرانُ من أهل الشام، فقالت للرجل ابنةُ عمِّه: لقد لقِينا من هذا الشأمي شرًّا، يفعل بنا كلَّ ليلة ما تَرَى، يريد المكروهَ، وقد شكوته إلى مشيخة أصحابه، وعَرَفوا ذلك، فقال: ائذنوا له، ففعلوا، فأغلَق البابَ، وقد كانت المرأة نجّدت منزلها وطيَّبتُه، فقال الشاميّ: قد آن لكم، فاستقنأه الأسديّ، فأندَر رأسَه، فلما أذِّن بالفَجْر خرج الرّجل إلى العسكر وقال لامرأته: إذا صلّيت الفجر فابعثي إلى الشاميّين أن أخرِجوا صاحبَكم، فسيأتون بكِ الحجاجَ، فاصدقِيه الخبَر على وجهِه؛ ففعلتْ، ورُفع القتيلُ إلى الحجاج، وأدخلت المرأة عليه وعنده عنْبَسة بن سعيد على سريره، فقال لها: ما خَطْبُك؟ فأخبرتْه، فقال: صدَقْتِني. ثم قال لُولاة الشاميّ: ادفنوا صاحبَكم فإنه قتيلُ الله إلى النار، لا قَوَدَ له ولا عَقْل، ثمّ نادى مناديه: لا ينزلنّ أحدٌ على أحد، واخرُجوا فعَسكروا.

<<  <  ج: ص:  >  >>